بيت المال، أما البغلة فقال:(إن ركبتيك يا عمر ينبغي أن تحملاك من بيتك إلى دار الحكم) وردها إلى بيت المال، هكذا كان يفعل حكامنا الأولون.
ما السبيل للعود إلى مثل الإسلام العليا؟ إن السبيل الوحيد هو تولى الصالحين الذين يتقون الله، المناصب العليا والصغرى في الدولة، وتمكينهم من الجلوس على مقاعد النيابة، فيكون ولاة الأمور وأصحاب البسط والقبض من العلماء والكتاب والفضلاء المعروفين بالتقوى والصلاح والزهد، والرغبة عن حشد المال وعن الإثراء باستغلال الوظائف.
إننا نعلم أن الأمة العربية لا تخلو من الأبرار الصالحين، والفضلاء المتدينين، على أن أمثال هؤلاء الأتقياء الشرفاء بعيدون عن الحكم، وإذا شاءوا الوصول إليه وحاولوه لفشلوا يقيناً لأنهم لا يملكون وسائله وإنما يملك تلك الوسائل أهل السياسة وأهل المال، وفي معظم الأقطار العربية لا يمكن أن يكون نائباً سوى الغني المثري الذي يستطيع أن يشتري مقعداً في البرلمان من الزعيم الذي يملك القرى وسكانها، فيأمرهم بإعطاء أصواتهم لذلك الغني المثري الذي دفع له الثمن الفادح.
من أجل هذا رأى أن الرجل الشريف التقي النقي مقصى عن دوائر الحكم، لا يستطيع إلا البكاء والتفجع لما يشهد في تلك الدوائر - في مقالات يدبجها وفي قصائد بنظمها - يناشد فيها أولئك الحكام أن يعودوا إلى مثل الإسلام العليا ويسلكوا في أعمالهم المحجة ويحملوا بأيديهم مصباح (ديوجنس) يبحثون بضوئه عن الصالحين المختبئين المنكمشين في الزوايا، وينتقونهم لولاية مصالح العباد. ومن سخرية الأقدار أننا نرى أولئك الحكام يشاركونه في دعوته وفي بكائه وفي شجب الشر والإثم وفي استنكار الخروج على الفضيلة، وهم ممعنون في اجتراح الحرب، لماذا لا يكون المثاليون المتحلون بمكارم الأخلاق من رجال الحكم، ولماذا لا نرى في الغالب الحاكمين وكبار أصحاب المناصب، حتى الصغار إلا من طمغات الانتهازيين والوصوليين، وإن وجد في دور الحكم المتنزهون عم المطامع، فهم نفر قليل.
يقول دعاة الشر والخبث إن هذا الجيل جيل فاسد، وأنه ينبغي لنا أن ننتظر الأجيال القادمة التي يؤمل منها الخير - ألا فقولوا إن هذا الكلام يراد منه التخدير وإلهاء الأمة عن الشرور التي ترتكب - فإن هذا الجيل كغيرة من الأجيال، فيه الصالح وفيه الطالح، ومن