الواجب أن نسعى ونبذل الجهود في منع الطالحين من تولى مقاليد الأمور، وفي تمكين الصالحين من الوصول إلى الحكم.
ويخيل إلى ولا أراني بعيداً عن الخطل فيما أتخيل، أنه لو أتيح لأصحاب المثل العليا من الأنقياء الأتقياء أن يلوا الحكم في البلدان العربية، لكانوا نجوماً يقتدي بهم ويهتدي، ولكانوا ينتقون ذوي الصلاح والتقوى لتقلد الوظائف والمناصب في الدولة، ولكانوا اتفقوا على وحدة الأمة ولو اقتضت الوحدة خسران مناصبهم، ولما كانوا رضوا ببقاء هذه الدويلات الهزيلة السقيمة التي لا وزن لها بين الدول، والتي هي أقوى الحجج على انحطاط العرب وتخاذلهم في وجه الأخطار التي تحيق بهم من جميع الجوانب، ولكانوا انتزعوا السخائم من قلوب العرب، ولموا شعثهم وجعلوا منهم دولة واحدة موحدة، فتزول الحواجز والحدود المصطنعة، وتعطى الحرية لتنقل الأشخاص والأشياء في جميع أراضي الناطقين بالضاد.
ولكن كيف يكون ذلك وما السبيل إلى تمكين الانقياء الحقيقيين من ولاية الأمر في الدولة؟ وتعن لي ثلاثة تدابير ينبغي أن نتخذ لمحاولة الوصول إلى تلك الأمنية التي ننشدها:
التدبير الأول: إن معظم الناس يجهلون ما في الإسلام من المثل العليا، ويزدرون الدين ويستهترون - ولعل السبب الأكبر في ذلك هو أنهم لم يربوا التربية الدينية في طفولتهم، ولم يتعلموا تعليما دينيا صحيحاً في المدارس - ويا حبذا لو جعل التعليم الديني فرضاً في جميع المدارس العربية وفي جميع مراحل الدراسة حتى الجامعية، وينتقى لهذا التدريس كبار العلماء المثقفين الشرفاء، وبهذه الطريقة ترسخ مبادئ الدين العليا في قلوب النابتة من البنات والبنين، وتظل راسخة إذا ظلوا يتلقنون الدراسة في المعاهد العليا، وإلا محيت من النفوس، وينشأون على احترام دينهم وما فيه من أدب للدنيا والدين. ومثل هذه التربية قمينة على العموم أن تجعل الخير غالباً على الشر، وتخلق فتياناً ذوى تقي ينشرون الفضيلة والحق أينما علموا، أفي الحكومة أم في غيرها.
التدبير الثاني: هو تدبير ذو أثر عاجل، ومؤداه أن يعني كبار أصحاب المناصب في الدولة الذين هم من أصحاب المثل العليا، ووجدوا في دور الحكم من قبل القضاء والقدر الميمون، أقصى العناية لاستخدام الذين يخافون الله، والذين هم شجعان صناديد على الباطل، جبناء رعاديد على الحق، فإذا فعلوا ذلك خففوا من وطأة الشر المستفحل.