التدبير الثالث: يكون في جعل الانتخابات للبرلمان حرة إلى أقصى الحدود. إن النظام البرلماني إنما هو بدعة غربية استوردنا غيرها من كثير البدع التي نشأت في أوربا منذ بضعة قرون، أخذناها بجميع عجرها وبجرها. وعندي إن صح أن يكون لي (عند) أنه يجب تعديل القوانين الانتخابية في الأقطار العربية، بحيث تشمل القواعد الآتية:
القاعدة الأولى: أن تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية مستقلة ولا يرشح للانتخاب في الدائرة إلا أحد أبنائها، لأنه لا يعرف أدواءها وظلاماتها سوى أبنائها.
القاعدة الثانية: أن يلغي نظام القائمة المعمول به في بعض البلدان العربية، فانه نظام فاسد، ومحصله أن المرشح الذي يفوز في الانتخاب لا يمثل الدائرة أو الدوائر التي يشملها نفوذ القائمة، وإنما هو يمثل الزعيم نفسه، ويخدم في المجلس متى وصل إليه مصالح الزعيم ومطامعه، لا مصالح الأمة.
القاعدة الثالثة: أن يرشح الشخص مستقلا منفصلا عن الأحزاب والهيئات والحكومات.
القاعدة الرابعة: أن تلغى الدعاوات بشكلها الحاضر المخزي الفاضح، لأنها تجرد الناخبين من حريتهم في انتخاب من تلهمهم لانتخابه ضمائرهم، ولأنه لا يستطيعها سوى أصحاب الأموال الذين ينفقون عليها فاحش المبالغ من الأموال، فيحرم الشرفاء المخلصون الأتقياء الوصول إلى مقاعد النيابة، لأنه ضآلة أموالهم وأنفتهم وعزتهم تربأ بهم عن القيام بمثل تلك الدعاوات، وبذلك تحرم الأمة الانتفاع من أبنائها الأبرار، ويحكمها بهذه الطريقة الأغنياء التجار، ويسود نظام (البلوتارخية). تأمل أن في الدائرة الانتخابية مرشحين، أحدهما مثر والآخر لا مال له. الأول يقيم الحفلات والمهرجانات يوماً بعد يوم، يحشد إليها الناس ويغدق عليهم العطايا وأطايب الطعام والشراب والدخان، والثاني لا يستطيع من ذلك شيئاً (أولاً) لقلة ماله و (ثانياً) لأنه يراه شناراً وخزياً. وبمثل هذه الأساليب تصبح مؤهلات النائب الواقعية المال والثراء، لا العلم والإخلاص ومكارم الأخلاق، فيا وبلنا مما نحن فيه من الأوصاب التي لن تفضى بنا إلا إلى شر المآب.
القاعدة الخامسة: أن يكون عدد النواب أقل ما يمكن، ويجب أن ينقص النواب في كل قطر إلى نصف عددهم الحاضر، ولا يزاد ولو زاد السكان.
ويا حبذا لو أنعم كتاب (الرسالة) الغراء الروية في هذه الشجون التي يعانيها العرب