بطانة يثق فيهم ويتشيعون له، وكلما عرض ذكر عدي بن زيد دسوا له قليلا أو كثير لدى الملك النعمان، وبلغ بهم أن يدسوا على عدي بن زيد أنه يقول إن الملك عامله وأنه هو الذي ولاه ما ولاه.
وحقيق بدسيسة كهذه أن تؤتى أكلها؛ فالنعمان ربيب عدي لا شك، وهو صنيعه لا شك، وبيت عدي مناوح لبيب النعمان لا شك؛ إذاً فعدى رجل يخاف ويخشى، وقد يقول مثل ما قال، وهي كلمة ثقيلة على أذن الملوك وإن كانوا يعرفون أنها حق لا مرية فيه.
وقد ذكر أن عدياً صنع ذات يوم طعاماً للنعمان، وسأله أن يركب إليه ويتغذى عنده هو وأصحابه، فركب النعمان إليه. فاعترضه عدي بن مرينا، فاحتبسه حتى تغدي عنده هو وأصحابه، وشربوا حتى ثملوا. ثم ركب النعمان إلى عدي بن زيد ولا فضل فيه، فأحفظ هذا عديا، وظهرت الكراهية في وجهه، فقام النعمان فركب ورجع إلى منزله؛ فقال عدي بن زيد في ذلك:
أحسبت مجلسنا وحسن حديثنا يودي بمالك
فالمال والأهلون مصرعة لأمرك أو نكالك
ما تأمرن فينا فأمرك في يمينك أو شمالك
وعلى هذا فعدي بن زيد هو الذي شبب بهند وتعزل فيها، وهو الذي تزوجها على غير رغبة أبيها، وهو يزعم أن الملك عاملة وأنه ولاه ما ولاه، ثم أخيراً يعتب على الملك ولا يرضى أن أحتبسه أحد رعيته وأخره عنه، حتى يرجع الملك من لدنه غاضبا.
وفي يوم شرب النعمان، فأرسل إلى عدي بن زيد فأبى أن يأتيه، ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، فغضب وأمر بعدي فسحب من منزله حتى انتهى به إليه، فحبسه في الصنين. ولج في حبسه.
قد مكث عدي في السجن مدة طويلة. وأرسل أشعاراً تصف ما يلاقيه في سجنه من أذى وضر، وأنه ما كان يليق مجازاته بمثل هذا، وأنه عومل معاملة الأعداء. مع إخلاصه للملك وتفانيه في خدمته، ومع أنه رمى عن الملك ونافح عنه. وذكر فيها مصاهرته الملك وزواجه من أهل بيته. وذكر فيها انه دبر له حتى فاز بالتاج وملك الحيرة. ولكن الأعداء قد غلبوه، وحلوا محلهم، وصرعوه.