للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نصدق ما يقولون أو نكذبه. . وإن كان ما يقولون ينافي الفطرة، وخاصة وإنه - كما يزعمون اصبح من (المألوفات) فانه أيضا لا يهمنا أن نصدق هذا الزعم أو نكذبه، إنما الذي يهمنا هو هاتان الظاهرتان المخيفتان: انقراض النسل في خطوات ليست بالبطيئة، وانتشار الأمراض السرية إلى حوالي سبعين في المائة كما صرح بذلك بعض المسؤولين. إن عدد السكان كان منذ عشرين عاماً خمسة آلاف نسمةوهو اليوم دون ذلك بكثير! قد يكون التزاوج المحلي هو السبب، وقد يكون ما (يقولون) وما (يزعمون) هو السبب. . وقد يكون انتشار الأمراض السرية هو السبب، وقد يكون - أخيراً - هجرة الأهالي - على قلتها - هي السبب، إلا إن الذي لا شك فيه إن عدد السكان في تناقص مستمر. . وهذا شيء كفيل بان يتداركه المسؤولون، أن يتتبعوا الوشائج، وان يتعلقوا بالأسباب، وأن يعرفوا مركز الدائرة ثم أن يطبوا للداء! وعندي رأي لا أشك في فائدته: لماذا لا تعمل الحكومة - أياً كانت هذه الحكومة - على ترحيل عدد كبير من المعدمين والعاطلين إلى هذه الواحة، وهي لن تمدهم إلا بالضئيل من المعونة، حتى تندى الكف الجافة، وتشتغل اليد العاطلة، ولعل أن يكون في نشاط الوافدين إذكاء لهمة الأهالي القاعدين. وانك لتعجب إذا علمت أن المستشفى الذي يريد أن يعالج قوماً نسبة المرض بهم ما رأيت ليس به دواء ولا طبيب! ذلك إن أنوار القاهرة تغري. . وتغني. . وان الحكومة المصرية لم تستطع إلى الآن أن تجند الأطباء - وهم أساة البشرية - تجنيداً دورياً في الممتلكات المصرية التي لها في عنق مصر حق الرعاية. إنه يجب على كل طبيب موظف بحكومة أن يقضي عاماً أو نصف عام في الواحات وما شابهها حتى لا يحرم الناس اليد التي تأسو جراح المصابين.

ورسالة التعليم من أهم ما يرتقي بهذه الواحة الجميلة البائسة. إن هناك مدرسة ابتدائية واحدة بها ثلاثة فصول وثلاثة مدرسين، والصعوبة التي تواجه التعليم هناك هي اللغة، إذ إن للأهالي لغة محلية خاصة غريبة لا تتصل بالعربية من قريب أو بعيد، وهناك مدرسان خاصان بالمدرسة الأولية من أهالي الواحة ويعرفان العربية يتوليان هذه المهمة. . وهي جليلة، إلا انهما يشكوان من معاملة الوزارة لهما لأنهما ليسا من حاملي (الشهادات). . فتعطي أحدهما منذ سبعة عشر عاماً ثلاثة جنيهات في الشهر! ما هكذا يكون التعليم ولا تشجيعه! والذي لاحظته عندما زرت المدرسة هو فصاحة اللسان العربي بعدما يتعلمونه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>