أذن يظهر أن الألف والمائتين رباعية التي تطارد الخيام اليوم هنا وهناك في الشرق والغرب وتثير حوله طوفاناً من الضجيج والصخب، وتجمع له الأنصار والاصدقاء، وتؤلب عليه الأعداء والناقمين؛ ليست سوى أسطورة ضخمة كغيرها من الاساطير، تقابلها حقيقة متواضعة تتمثل في عدد متواضع من الرباعيات معترف بها اعترافاً كاملاً ويبلغ الأربع والثمانين رباعية فقط، وذلك استناداً إلى اصدق واحدث البحوث العلمية في هذا الشأن حتى يومنا هذا. .
الأسطورة الرابعة
لم نسمع أن شاعراً أوذي في سمعته بعد موته كما أوذي الخيام أو أصابه من الاتهامات الكاذبة والافتراءات المدبرة ما أصاب هذا العبقري العظيم والأديب الفحل والنابغة الأوحد.
ولو سألنا أي واحد من هؤلاء الذين سمعوا عن الخيام ولم يحققوا، وقرءوا عنه ولم يتتبعوا، لن يصف لنا شاعر الرباعيات كما يتصوره أو كما يصوره له الوهم بالاحرى، لما تعدى تطاق وصفه إياه عن أن الخيام كان شاعراً عابثاً لاهياً، خليعاً فاجراً، يقضي وقته متنقلاً من حانة إلى أخرى، نديمه الكأس ليل نهار، لا يفيق من سكرة إلا ليستسلم إلى أخرى؛ ثم على ذلك هو ملحد جاحد أيعلن حرباً شعواء على الأديان كلها، وهاجم المتعبدين والزهاد، ورسالته في الحياة: لا نفارق الخمرة حتى نموت.
هذه هي الصورة الشوهاء المزيفة التي يتخيلها عدد كبير من الناس ويرسمونها على أنها صورة حقيقة للخيام.
لقد كان الخيام قبل كل شيء فيلسوفاً نزيهاً وأديباً عفيفاً، يزينه الوقار ويسم به جلال العلم على أقرانه من اهل زمانه. . وكان إلى ذلك ذكي الفؤاد متوقد القريحة، صاحب رأي؛ يجهر بالحق ويحارب الشعوذة أينما وجدت. . فلهذا جاهره بالخصومة فريق من دعاة الصوفية في زمانه، كانوا يتخذون الدين وسيلة لا غاية، فأطلقوا ألسنتهم عليه ودأبوا على نشر كل باطل عنه وإلصاق كل تهمة كاذبة به حتى لقد رموه بالكفر والإلحاد أيضاً، وكل ذلك كان يكشف عن ريائهم ونفاقهم، ويعان عن جهلهم وتعصبهم دون خوف ولا حذر.
قال عنه شمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري في كتابه الموسوم ب (نزهة الأرواح