للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(وقيل وهو المعروف، انه نسبة إلى لبس الصوف. فانه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة، وأول من بنا دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد، وعبد الواحد من أصحاب الحسن. وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر الأمصار، ولهذا كان يقال فقه كوفي وعبادة بصرية) (وإذا عرف إن منشأ التصوف كان من البصرة وإنه كان فيها من يسلك من طريق العبادة والزهد ما له فيه اجتهاد، كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ما له فيه اجتهاد، فهؤلاء نسبوا إلى اللبس الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفي، وليس طريقهم مقيداً بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به ولكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال).

وللمستشرق المشهور دوزي رأي آخر حول نشأت الصوفية وعلاقة الحسن البصري بها. فيقول (كانت في البصرة امرأة زاهدة ورعة تقية تسمى (رابعة)، وهي التي اعتاد حجاج العصور الوسطى زيارة قبرها الكائن على رابية تشارف القدس، فكانت على رأي الصوفية الأوائل، تعتريها حالات الوجد والشعور الإشراقي، وكانت أعلى مقاماً من الحسن البصري. ولو جاز لنا الشك في اعتبار الحسن البصري من اهل السنة، لا ينكر إنه كان يجوز نقطة بدء التي عند المتصوفة. ففي الوقت الذي يعتبر الحسن البصري الشعور بالخوف جوهر التقوى، يرى الصوفية عكس ذلك، فيبدءون من نقطة المحبة ويخاصمون الذين يتخذون الخوف مسنداً لهم. وقد حدث أن سئل أحد الصوفية (من الذي يجب أن يعتبر لئيماً؟) فأجاب (الشخص الذي يتعبد خوفاً من العقاب ورجاء للثواب) فسئل (لماذا تعبد أنت؟) فقال (للمحبة فحسب).

بيد أن الظاهر - ولعله الحقيقة - يدل على إن التصوف الإسلامي أيام الحسن كان متمثلاً في الزهد والتقوى فقط، وهما العنصران الأساسيان في التصوف، أو بالأحرى هما الأساس له، إذا لم تكن العناصر الأخرى كالأفلاطونية الحديثة وغيرها قد دخلت فيه بعد. فالتصوف في هذا العهد كان في بداية نشأته وأوائل تأسيسه بشكل بسيط غير مشوب بالشوائب الأخرى التي اختلطت به فيما بعد. أما فيما يتعلق برابعة العدوية فلا يزال الشك يحوم حول صحة نسبة جميع الأقوال والأبيات الشعرية المنسوبة اليها فإن هذه الأقوال بحد ذاتها من حيث مبناها ومعناها تثير ريبة كل باحث ملم بثقافة ذلك العصر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>