إن هذا الرأي هو الآخر ليتضح للقارئ الكريم بكل جلاء في استعرضنا وتحليلنا مبادئ الحسن البصري الصوفية، في الفقرات التالية:
إن نقطة البداية عند الحسن في هذا الباب هي استصغار هذه الدنيا الفانية الزائلة التي استصغرها الله ورسوله. وتجد في رسالته التي بعثها إلى عمرو بن عبد العزيز يقول:(أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل) وكذلك يرى أن الله كلف المنزوين (أهل الانقطاع) أن تنتهجوا ثلاثة مسالك: الامل، والاجل، والسحر. ومعنى ذلك أن يكونوا في حالة الأمل، وأن يدور في خلدهم الأجل في كل آن، وان يقضوا السحر أو الليل بالفكر، يلك الخصال الحميدة التي تميزهم عن سواهم من الناس الذين يضيعون آمالهم، ويعتقدون بالأجل عند موافاة المنية لهم، والليالي التي يقتضي قضاءها بالتفكير فهم يقضونها من غير تفكير. إن قاعدة الحياة عند الحسن البصري ليست بمجرد الحمية والتجنب، ولا بمجرد الورع والتقوى والابتعاد عن المنكرات الحقوقية وما شاكلها، إنما هي قبل كل شيء عبارة عن الزهد والخشوع لله، والتفرد التام عن كل العالم، وعن كل ما هو فان، وهذا معناه أن يكون الإنسان تجاه نفسه في حالة حزن دائم. ويروى إنه لم يضحك، وكان في حزنه كما قال يونس بن عبيد الله الحسن: كان إذا اقبل كأنما أقبل من دفن حميمة، وإذا جلس فكأنه أسير قد أمر بضرب عنقه. كان إذا ذكرت النار عنده فكأنها لم تخلق إلا له.
ومن أقواله التي يستشف منها اتجاهه في تصوفه: قال: إنكم لا تنالون ما تحبون إلا بترك ما تشتهون. ولا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون. قال عيسى بن عمر: سمعنا الحسن يقول: اقدعوا هذه النفوس فإنها طلعة، واعصوها فأنكم إن أطعتموها تنزح بكم إلى شر غاية، وحادثوها بالذكر فإنها سريعة الدثور.
وكان يقول: ذهبت المعارف فبقيت المناكر ومن بقى من المسلمين فهو مغموم ويقول: ما من وسواس نبذ فهو إبليس، وما كان فيه إلحاح فهو من النفس. فيستعان عليه بالصوم والصلاة والرياضة، وإذا أراد الله بعبد خيراً في الدنيا لم يشغله بعيد ولا ولد. . . ومن لبس الصوف تواضعاً لله عز وجل زاده نوراً في بصره وقلبه.
إن أساس الدين عند الحسن هو التقوى والحزن، ويليهما في ذلك الخوف. وقد لعبت فكرة الخوف دوراً هاماً في تصوف الحسن، فهي التي تيسر الفناء إزاء المطلق، والذوبان فيه،