للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا شيء يطهر الإيمان كما يطهره الخوف. وقد ذكر في سياق رسالته إلى عمر عبد العزيز: أدمن الجوع، وشعاري الخوف. ولباسي الصوف، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمر، وصلابتي في الشتاء الشمس، وفاكهتي وريحاني ما انبت الأرض للسباع والأنعام.

وكان يردد ما مفهومه: إن الخوف والرجاء دعامتان يستند إليهما المؤمن على ان يكون الخوف عنده أقوى من الرجاء، لان الرجاء عندما يغلب الخوف يفضي إلى إفساد القلب، وبواسطة الخوف ذاته يستطيع أن نتبين عجز المتناهي، والفناء في داخل اللامتناهي. ذلك أن الشعور بالعجز يكشف بتضاد جدلي (ديالكتيكي) عن ماهية القدرة، وبهذه الطريقة نفسها يمكن الإصغاء إلى كلام الله، وهذا هو ما يدعى بـ (الاستماع) وبعد ما يمر الإنسان بهذه الحالات الروحية يفهم القرآن. ومن هذه الناحية يكون الحسن البصري واضع أساس علم النفس الصوفي أي (علم القلوب). ومن ثم يدخل في تحليل الحالات الداخلية للإنسان، وان التعاريف التي أوردها بصدد محاسبة الطوية والضمير كأنها قد أعدت مفاهيم الحارث المحاسبي في هذا المجال. وقد دعا الإنسان إلى ان يوجه نظراته إلى داخل نفسه، ويتأمل، لأن التأمل هو مرآة تتجلى فيها للمرء ما في الإنسان من محاسن ومساوئ، وهو يسيطر على نفسه بالتأمل، وإن سعة روحه هي سعة تأمله - وهي عبارات يتذكرها الإنسان عندما يلاحظ علم النفس عند.

إن آثار هذه المواعظ لم تبق مقصورة على النطاق الأخلاقي والأدبي فحسب، إنما عملت على توسيع المفهوم الإسلامي والفلسفة في وقت واحد. فأصبحت شخصية الإنسان لا تفهم كمجرد شيء قائم على الأعضاء والملكات الروحية فقط - أي إن شخصية الإنسان تبعاً لهذا المفهوم ليست من اثر التركيب وحده، بل إنها تظهر قلباً كلياً نامياً متطوراً، وهذه هي بداية المذهب الروحي الإسلامي الذي توسع فيما بعد على أيدي المتصوفة الروحيين.

تطرق الحسن البصري إلى مسألة خلق الأفعال البشرية، ورأى إن الله فوض للإنسان أفعاله الحرة، وهذا يعني إن اللهو هب الإنسان الفيض والاستعداد لاستطاعته القيام بهذه الأفعال، وهذا هو منشأ مذهب الاتفاقية بينما يرى المعتزلة مقابل ذلك نظرية التولد، أي انهم يأخذون بالنظرية القائلة: ان الله يوجد الأفعال في الإنسان، ولكنه يوجد كل فعل على حده. لذلك كانت نظرية الحسن مغايرة لمفهوم الإرادة الجزئية عند المعتزلة، وهي في الوقت

<<  <  ج:
ص:  >  >>