سياراتنا كل ليلة على هيئة مربع مجوف كما تفعل طلائع الجيوش بسياراتها ومدافعها الرشاشة المتحركة.
لقد حسبنا في اليوم الثالث إننا مشرفون على الوقوع في المشاكل، فطريق السيارات في الجول لا يتسع لأكثر من سيارة واحدة، وكانا جانبا من الطريق مليئين بالصخور الصلدة العظيمة. كنت أسوق سيارة القيادة، وهي من نوع السيارات التي تستعمل في الاستكشافات الحربية، فشاهدت إمامي سحابة من الغبار ثم انجلت بعد حين عن سيارتين من سيارات مكافحة الجراد الذي يكثر في الجزيرة العربية. إنه يتدلى من الشجيرات كالعناقيد فيلتقطه العرب منها كالتوت، ويدسونه في أفواههم وهو لا يزال حياً يرفس برجله.
ووقفت السيارتان امامي، وقفز منها أربعة من العرب يتنكبون بنادقهم. كان الأستاذ (اولبرايت) معي فأمرونا بواسطته أن نخلي الطريق لهم من سياراتنا. فقلت لهم لني لا أرى ما يبرر إخراج ١٦ سيارة من الطريق من الجل سيارتين. فرفع أحدهم بندقيته، ومرت لحظة من الزمن كنت أسائل نفسي فيها:(أهذه هي النهاية؟) ثم سمعت مبارك عبد الله يقول بصوت مرتفع، وهو يقفز من سيارته وكانت قد توقفت في تلك اللحظة خاف سيارتنا.
(نح تلك البندقية جانباً) فانزل الرجل بندقيته، وقال:(من أنتم؟)
فأجابه مبارك:(أنا الضابط مبارك عبد الله. وإذا لم تتنحوا عن الطريق ألهبت رؤوسكم بالرصاص). فأطاع الرجال وتنحوا لنا عن الطريق بخفة.
عندما قتل ضيفه
إن لمبارك شهرة واسعة في حضر موت. فقد أرسل ذات مرة ضيفاً إلى إحدى حفلات الزواج في حي عمه، فقتل الضيف. فلما بلغ النبأ مباركاً، اشترى بندقية جديدة، ومقدار من الرصاص، وتوجه ليثأر لشرفه طبقاً لما تخوله التقاليد القبلية من الحقوق. وبعد سنة كاملة استطاع أن يريح ضميره مرة أخرى بعد ان قتل ثلاثة من أفراد عائلته كانوا مسئولين عن إراقة دم ضيفه.
كان مبارك يركب دائماً بجانب (جلادس)، ومع إنها كانت رائدتنا فطالما توارت عن أنظارنا عند منعطفات الطرق أو فوق التلاع. ولكني ما كنت اقلق عليها لوثوقي من سلامتها ما داو مبارك بجانبها على قيد الحياة. فقد كان شديد الإعحاب بقيادتها للسيارة.