فالعربي ينظر لمن يسوق سيارة أو يطير طيارة بالإعجاب والإكبار. و (جلادس) كانت هائلة سواء أمام عجلة السيارة أو قيادة الطائرة.
ففي غضون الرحلة التي قمت قبل سنتين منتدباً من جامعة كاليفورنيا كانت جلادس تقود سيارة من سيارات الحمل من القاهرة إلى مدينة الكلب وهي مسافة تقرب من ٥٠٠٠ ميل. وفي العامالمنصرم سجلت رقماً قياسياً في الشرق الأوسط بقيامها بست رحلات في غضون ١٠ أيام من القاهرة إلى جبل سينا. وقد رافقها (جيفرس كافري) السفير الأميركي في القاهرة في إحدى تلك الرحلات، فلم يستطع احتمالها، فإنها لتمرسها بالأسفار في الصحراء كانت تتغلب على ما يعترض سبيلها من العقبات، ومع ذلك فقد كانت عنايتها عظيمة بحيث لم ينفجر ولا إطار واحد من أطر السيارات أو ينكسر محور واحد في الطريق الصخرية إلى بيحان. وهي مهارة لم اكن أتوقعها.
كانت سيارتها تتقدم القافلة دائماً، بينما كنت انتقل في سيارة من سيارات الاستكشاف بين أضلاع الوديان ومتون الصخور، فقد كان تخصصي العلمي الأول هو الإحاثة فكانت تستهويني التشكيلات الجيولوجية الظاهرة العجيبة، وبعضها يعود إلى الزمن الذي لم تكن في الأرض سوى كرة صخرية جرداء تلفحها الرياح.
كنت في المقدمة عندما تراءت لنا (شيبام) مدينة الأبنية العالية والخصومات. فحينما بلغت سيارتي قمة إحدى الهضاب، وبدا منظر المدينة منبسطاً أمامي على حين غرة، كان الوقت ظاهراً والحرارة محرقة، حتى إن الإعياء كان قد اخذ مأخذه من حراسنا غلاظ الأجسام. كانت الصحراء ترقص أمام أنظارنا في بهر الشمس، وأبراج المدينة تبدو كأنها معلقة في الهواء العائم تشدها خيوط من الفضة فوق الرمال.
تسمى شيبام شيكاغو حضر موت، لا لسبب سوى إن ابنيتها أعلى ما في البلاد، فبعضها يعلو الأسوار التي تحيط بالمدينة وتحميها من هجمات قبائل الصحراء بـ٩ أو ١٠ طبقات. والبلد قسمان: سكان المدن المستقرون، وسكان الصحراء المتنقلون.
وليس ما يمنع تلك الأبنية من المضي فبي الارتفاع سوى عدم سلامة الطين الذي يخلط بالقش (التبن) وبعر البعير، ويسلح بدعائم من الخشب. فإن العلو زيادة في الاحتراس وليس من الضروري لرخص مواد البناء في شيبان. فكلما عشت مرتفعاً بالمعنى المادي،