لقد سمعت قصصاً عن شيبام وهي من افظع ما شهدته بلاد العرب من الميادين الحربية الدامية، فقد كانت ميداناً للكفاح من اجل السيطرة استمر قرناً كاملاً بين قبلتين عربيتين كبيرتين هما القعيطيون الذين انتصروا في النهاية، والكثيرون الذين فقدوا السلطة هناك. وهذا طرف من تلك القصص:
لسبب لا نعرفه الآن أجاز السلطان منصور حاكم شيبام الكثيري سنة ١٨٣٠ للقعيطيين شراء قسم كبير من أملاك المدينة، فلما استقر بهم المقام ساءت نية منصور واخذ ينظر إلى الطارئين الجدد كمعتدين، وبدأ يعمل فيهم السيف. هذه هي البداية. ثم ارتحل قسم من الكثيرين وعادوا بجيش اضطر معه منصور في النهاية إلى تقسيم شيبام بينه وبين الكثيرين.
واستمر الهدوء حيناً من الزمان حتى بدأ منصور، الحول القلب الذي لا يستقر على حال يتطلع للقتال، فسولت له نفسه أن يمكر بالقعيطيين فيدعو ثلاثمائة من كبارهم إلى العشاء. وكان البارود من ضمن الطعام. واكن الخدعة لم تنطل على أحد. فإن الثلاثمائة قعيطي الذين كان يرمي إلى استأصالهم، جاءوا مع عدد كبير من الأتباع اكبر مما كان يقدر. فعاد الكفاح سيرته الأولى من جديد. ودارت الدائرة في النهاية عليه، فشق حلقه من الأذن إلى الأذن، وابتدأ من ذلك الحين استئصال لما بقي من الكثيريين في المقاطعة في تعميم وروية، من غير رحمة أو شفقة، حتى كادوا يفنون عن بكرة أبيهم، إلى أن جاء ما يسمى بصلح أنغرام قبل بضع سنين فوضع الإنكليز به حداً للقتال المنظم. لم يكن المرء ليأمن على نفسه بأن يمشي أو يركب منفرداً في شيبام نهاراً. وكان بيت كل إنسان حصنه. وإذا كنت فقيراً فانك تقتل أعداءك بنفسك. أما إذا كنت غنياً فانك تستأجر من يتولى قتلهم عنك. وكان القتلة دائماً ينالون جزائهم أما مالاً أو قتلاً، وأحيانا مالاً وقتلاً. وعندما يصل إفناء عائلة من العائلات حداً بعيداً، فإن المغلوبين يحاولون عادةحسم الأمور بينهم وبين المنتصرين، فيهيئون وليمة كبيرة، وكجزء من الوليمة يحاولون الاتفاق على تأدية ديات القتلى، وبذلك تذوب في بعض الأحيان ثروات بعض العائلات قبل أن يتم تسديد الديات.
وبالرغم من وجود مبارك الذي يتولى حمايتنا أثناء رحلتنا إلى بيحان، فقد انتابني فزع