فأرضى هذا كبريائه، وأصبح يشعر أنه ذو مكانة وخطر، وأنه يقترب رويداً رويدا من قيادة حركة ذات شأن، ونمى هذا إلى سمع محمود شوكت، وكان يعرف بطلنا ويقدر خطره، لاسيما في البلقان مصدر كل فتنة ومهد كل حركة، فنقله إلى منصب أخر، وكان شوكت في تصرفه هذا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فقد سهل المنصب الجديد بطلنا بلوغ دعوته إلى أنصار أكثر من ذي قبل، ولم يخفه تهديد شوكت ووعيده، وظل في مهاجمته للرجال الجمعية وحملته عليهم غير خائف ولا متحفظ، كما أخذ يستحث أنصاره على طرد الأجانب لتصبح (تركيا للأتراك)
ولقد عظم خطر بطلنا حتى كتب أعوان الحكومة إليها ينذرونها ويحذرونها منه ويستحثونها على تدارك الأمر، وطلبت الجمعية معاقبته، فبعث إليه شوكت يتهمه بأنه يحرض الجنود على الثورة، فرد عليه رداً لم يكف في نظر شوكت لدحض التهمة ونفيها عنه، كذلك لم يجد شوكت أدلة قوية تثبت إدانته فنقله إلى المكتب الحربي في الآستانة ليبعده عن البلقان مستودع البارود ومنبع الخطر وليستطيع ومراقبة حركاته ويتبع خطواته، فلم يرده هذا عن خطته، وأخذ يتقرب من بعض سياسي الجمعية الذين كانوا يبغضون الألمان ويمقتون سفيرهم صديق أنور الذي أخذ يعمل بنشاط وكياسة بجعل تركيا آلة في يد ألمانيا، وأخذوهم يشجعونه بعض الشيء، إذا رأوا إمكان استخدامه ضد أنور عند الحاجة، ولكنه مع ذلك لم يستغيث ولم يقربوه كل القرب لذهابه بنفسه، فحز ذلك في نفسه وألمه أشد الألم
وبينما هو يجاهد خصومه ويجاهدونه إذا بإيطاليا تنزل جنودها في طرابلس وتحتل الساحل.