خلافة المسلمين، ونجحت هذه الدعاية الخداعة البراقة، وثار الجنود في الأستانة، وقتلوا ضباطهم أو سجنوهم، وأعلنوا إخلاصهم للدين وولاءهم لأمير المؤمنين، واستولوا على الأستانة وطردوا منها أعضاء الجمعية، فلجئوا إلى محمود شوكت قائد الجيش بمقدونيا فتردد بادئ الأمر لأنه كان من المقربين إلى عبد الحميد، ولكنهم وفقوا أخيراً إلى إغرائه بمساعدتهم والعمل معهم فسير أنور - وكان قد عاد مسرعاً من برلين - على رأس فرقة من الفرسان كما ناط بمصطفى - وكان قد عاد من طرابلس - رئاسة أركان الحرب، وتقدم الجميع نحو الآستانة فقضوا على الثورة الداخلية، وقبضوا على عبد الحميد ووضعوه في (فيلا) صغيرة بسالونيك تحت رقابة الضابط فتحي المقدوني وأعادوا الجمعية إلى الحكم
وكان أنور إبان هذه الحوادث، الشخصية الفذة، والبطل البارز، ترمقه العيون بالإعجاب والحب، لأنه كان جندياً مقداماً جريئاً، كثير الاتجاه إلى الجمهورية، فأتته الشهرة وسعت أليه، بينما ذهب مصطفى كمال في غمار النسيان والإهمال، إذ لم يحظ بإعجاب الشعب لتردده، ولم يكسب رضاء الرؤساء لصلفه، حتى قالوا عنه (أنه ذو كفاية ممتازة، ولكنه جامد النسيم، كثير التمرد على كل أمر، قارص النقد لكل شخص، شديد الغرور، لا يميل إليه أحد، وهو كثير الاعتداد برأيه، لا يشرف معه أحداً في الأمر)
وأبعدوه عن الحكم وأبقوه في منصبه، فأكب على واجبه يؤديه بهمة ونشاط، وأخذ يدرس تاريخ نابليون وفون ملتكه. ثم رقي في سنة ١٩١١ إلى رياسة أركان حرب القسم الثالث من الجيش بمقدونيا
وقد أرسل في بعثه حربية إلى باريس تحت أشراف الجنرال علي رضا، وأعجب رئيسه به وأثنى عليه. ولما عاد أنيط به الإشراف على مدرسة الضباط بسالونيك، وبرغم كون بطلنا جندياً بفطرته فقد كان يتطلع بنظره إلى السياسة دائماً، ويحاول أن يجرب طالعه فيها، فلم يرضه هذا المنصب، وأخذ ينقد زعماء جمعية الاتحاد والترقي نقداً لاذعاً في غير تحفظ ولا خشية قائلاً أنهم ليسوا جديرين بالحكم، وأن الدول أخذ طمعها يشتد ويدها تطول عن ذي قبل، ولا سيما ألمانيا التي قبضت على مرافق البلاد الحيوية وسيطرت على سكة حديد بغداد. أما في الداخل فلا يزال السخط عاماً والفقر والبؤس مخيمين، ويجب القيام بعمل حاسم لإصلاح الحال. وأخذ الضباط يصغون إليه ويستمعون له ويلتفون حوله