الرؤساء أن يقربوه منهم، فقل على توالي الأيام اتصاله بالجمعية واشتراكه في أعمالها، وأصبح أكثر ميلاً للعزلة والصمت. وبينما كان بطلنا في بعده وعزلته إذا بالثورة تثب من غير إنذار، فسار نيازي على رأس فئة قليلة من الثائرين إلى جبال مقدونيا الجنوبية متحدياً الحكومة، وحذا حذوه أنور، وأصدر في الحال منشوراً يعلن فيه الثورة
أما بطلنا فظل في سكونه وعزلته، وأبى أن يشاركهم، إذ لم يكن من طبعه المغامرة في مشروع إلا إذا كان متين الأساس مقدراً له بعض النجاح؛ ولكن هذه المغامرة الجنونية نجحت بأعجوبة، وساعد على ذلك سخط رجال الجيش على الحكومة لتأخر مرتباتهم، فأبى بعضهم أن يحارب بني وطنهم، وأنضم آخرون إلى الثوار فسقطت حكومة الظلم كما تسقط أوراق الشجر أمام الريح الضعيفة، وقبل عبد الحميد الحكم الدستوري قائلاً: أنه كان يعمل لهذه الغاية من عهد بعيد!! انحنى باللائمة على مستشاريه، وألقى عليهم تبعت الماضي الفاسد. وألغي الجاسوسية، ورحب بالثوار وعاد نيازي وأنور، وقد أسكرتهم نشوة الانتصار، وتوجت رؤوسهم أكاليل الغار، فأستقبلهم الشعب بحماسة فائقة تجل عن الوصف، وقد لقيهما مصطفى برفقة بعض زملائه، وقف الجميع في شرفة أحد فنادق سالونيك، وأعلن أنور منها الدستور على الشعب الذي يرمقه بعين الإعجاب والإجلال، ووقف من خلفه مصطفى وأن ما به من الهم والحسد ليكاد يقطع قلبه ويذهب بنفسه. وقد عاد إلى الأستانة جميع من نفاهم عبد الحميد، وأخذوا يتنازعون السلطة والحكم، وأرسل أنور ملحقاً حربياً في سفارة برلين، أما نيازي فعاد إلى ألبانيا حيث اغتيل، أما مصطفى كمال فأرسل على رأس بعثة ليتفقد حال حامية طرابلس، ويكتب عنها تقريراً لحكومة الأستانة
وقد خشيت دول أوربا أن يستعيد الأتراك قوتهم، فانتهزت فرصة هذه الفتنة الداخلية لتصفى مع الأتراك حسابها، فاستولت النمسا على البوسنة والهرسك، احتلت اليونان كريد، وأعلنت بلغاريا استقلالها تظاهرها لروسيا
أما في داخل الإمبراطورية فقد شبت الثورة ببلاد العرب وألبانيا، وأحتدم النزاع بين والمسلمين والمسيحيين اشرأبت الرجعية بعمقها تريد استعادة سلطانها البائد، فلجأت إلى الجيش والشعب لأثارته على أولئك اليهود والملاحدة الذين يريدون هدم الدين، وتقويض