لأنت بلاغ النفس حيرى مروعة ... بوادي شكوك جمة وهموم
وفيك ابتعاد عن جهالة جاهل ... وعن قول مأفون وفعل لئيم
وعندك نسيان وطول زهاد ... لكل مراد في الحياة عقيم
لعمري ما حي بأروح منزلا ... على الأرض من بال بها ورميم
ولو علم الجاني لما جاد عامداً ... على خصمه بالموت جود كريم
وتمحو يداك الحقد والخوف والأسى ... وكل بلاء في النفوس قديم
وأنت تريح الفكر من كل معضل ... يظل له في حيرة ووجوم
وتطوي عن الأجفان صفحة عالم ... ملئ بأنواع الشرور ذميم
وتطوي كتاب الأمس طيا وما مضى ... به من بغيض ذكره وأليم
. . . عزاء لبعض الناس أنك قادم ... وأن شقاء العيش غير مقيم
هذان الشاهدان اللذان سقناهما فيهما صدق وعمق فنيان، نتجا عن شعور صحيح، أجنحته أحزان الوحدة وصروف القدر. . . ولكن آفة الانطواء أن ينفعل الشاعر تحت تأثير القيم الاجتماعية انفعالا فنيا مصنوعا لا مطبوعا، فيكون تعبيره الفني واجبا ملتزما به، أو تقليداً منساقاً إليه. . لا أداء حرا صادرا عن فاعلية فائضة من النفس. . . فشاعر كبشار الضرير، حين يقول متغزلا:
يا منظرا حسنا رأيته ... من وجه جارية فديته
بعثت إي تسومني ... ثوب الشباب وقد طويته
لا يخفى ما يقوله هذا من بعد عن الصدق والواقعية، علاوة على ركاكة النسج وتكلف المعنى والقافية تكلفا ظاهرا. . وإلا فمن (هو) في ميدان الوسامة والغرام، حتى. . تسأله هي أن يغازلها؟ وإذا أردت دليلا قريبا على ذلك فلاحظ معي، إن شئت، الظروف الاجتماعية في عصر المرحوم أحمد شوقي بك، التي كانت تزين له أن يتصدر ندوة الشعر، تجد أن دولة الشعر كان عليها في هذا العصر واجبات، تقتضيها الضرورة السياسية ومن هنا كان نجاح شوقي غير متكامل في الحياة الاجتماعية. . فجاء شعره الوطني والاجتماعي دون وطنيات واجتماعيات شاعر الني الاجتماعي النزعة. . . ذلك لأن شوقي لم يكن اجتماعي النزعة كحافظ وليس هذا عيبا؛ وقد قدر أن يكون لكل فرد نوازعه