للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النفسية. . فشوقي كان من الطراز الإنطوائي. . .

لو ترك العنان لشاعرية شوقي لفاضت فيضا ذاتيا لا أثر للأحداث السياسية والاجتماعية فيه، ولأخلص لناموس الطبيعة وحرية الفن؛ وإن كان هذا لا يمنعنا من الإقرار بروعة شعره الذي صدر - في غير الأغراض التي أشرت إليها - عن فاعلية فائضة من أعماق وجدانه. . .

وما أرق خمريات أبي نؤاس، الذي نراه يبلغ الذروة فيها لطبيعة انفعاله، اضطرم نتيجة هيام بالخمر معروف عنه، بلغ حد الهوس؟ فجعله يقول:

دع عنك لومي فان اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء

رقت عن الماء حتى ما يلائمها ... لطافة، وجفا عن شكلها الماء

فلم مزجت بها نورا لمازجها ... حتى تولد أنوار وأضواء

دارت على فتية دان أزمان لهم ... فما يصيبهم إلا بما شاءوا

لتلك أبكي ولا ابكي لمنزلة ... كانت تحل بها هند وأسماء

وجعه يقول:

أئن على الخمر بآلائها ... وسمها احسن أسمائها

لا تجعل الماء لها قاهرا ... ولا تسلطها على مائها

كرخية قد عتقت حقبة ... حتى مضى أكثر أجزائها!

فلم يكد يدرك خمارها ... منها سوى آخر حوبائها

داريت فأحييت غير مذمومة ... نفوس حراها وأنضائها

والخمر قد يشربها معشر ... ليسوا إذا عدو بأكفانها!

ويقول:

قم يا غلام فقد بدا الفجر ... واسق النديم فما به سكر

من قهوة ما كنت أحسبها ... في الكأس. . لولا اللون والنشر

رقت. . فما تدري أبارقها ... أبها هواء، أم بها خمر!

وأخيراً، وليس أخراً، ليت أدباءنا - الذين يصرون على أن يكونوا شعراء على الرغم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>