يحاذرون الوشاة على عدي ... وما اقترفوا عليه من الذنوب
وقد أرسل عدي رسالة من سجنه إلى أخيه أبي وهو مع كسرى، يستعطفه، ويستنجده، ويصف حاله:
أبلغ أبيا على نأيه ... وهل ينفع المرء ما قد علم
بأن أخاك شقيق الفؤا ... د كنت به واثقاً ما سلم
لدى ملك، موثق في الحديد، إما بحق وإما ظلم
فلا أعرفنك كذات الغلا ... م ما لم تجد عارماً تعترم
فأرضك، أرضك، إن تأتنا ... تنم نومة ليس فيها حلم
وان كان عدى قد اخطأ فقد يخطي الصديق! وإن كان ظلم فهذا نصيبه! وهلا تستطيع أيها الملك أن تتدارك الأمر وتجنح إلى الرأي المصيب! وعلى كل، فقد وكل عدي أمره لله وهو رب قريب مستجيب:
فإن أخطأت، أو أوهمت أمرا ... فقد يهم المصافي بالحبيب
وإن أظلم، فقد عاقبتموني ... وإن أظلم، فذلك من نصيبي
وإن هلك تجد فقدي وتخذل إذا التقت العوالي في الحروب
فهل لك أن تدارك ما لدينا ... ولا تغلب على الرأي المصيب
فإني قد وكلت اليوم أمري ... إلى رب قريب مستجيب
هذا عدي: عدي البائس المحزون، والحبيس في سجن صديقه ومليكه النعمان. ولم يكن يتوقع يوما أن يكون في مثل حاله هذا، وإن ماضيه مع الملك، وماضي بيتيهما معا، لم يكن يوحي - لحظة من اللحظات - أن هذه المصافاة والإخلاص والود قد تنقلب آسى ما بعده آسى، وشر تصغر دونه الشرور
وقد استطاع عدي بكل ما أوتى من قدرة على البيان والتعبير، قدرة الفنان البائس المذكور، وأن يرسم لنا صورة له في السجن. ولأهله، وأن يحدثنا عما كان بينه وبين النعمان من مودة وصفاء، وأن يذكر النعمان بأياديه عليه، وأن يذكره بما كان لزيد أبي عدي من ملك الحيرة قبل المنذر آبي النعمان، ويذكره الصهر، ويضرع إليه ألا يشمت به الأعداء
وقد أكره النعمان عديا على إطلاق هند. وما كان ينتظر لهذا الزواج غير هذا، ففارق