للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السن، والطريقة التي تم بها، وعدم مواءمة الزوجين كفاءة كما يرى النعمان، كل هذا كان يشير إلى أن الزواج قد لا يطول اجله، وأن الفراق ينتظر الزوجين بعد حين طويل أو قصير. ثم جاءت الأحداث تتابع، وأضحى هذا الزواج من أسباب النفر بين عدي والنعمان، ودخل الأعداء، وخشي النعمان عديا؛ فكان الحبس، وكان الطلاق

وقد ترهبت هند بعد ذلك في ديرها المعروف بدير هند، وقد بنته حين تنصرت بعد تنصر أبيها على يد عدي، وحبست نفسها فيه، وأعرضت عن الحياة الدنيا بزخارفها ومفاتنها، إلى حياة نبيلة طهور تطمح إليها آمال النصارى المخلصين

واختلفت الرواة، فمن قائل إنها ترهبت بعد طلاقها، ومن قائل ترهبت آسى على زرقاء اليمامة، ومن قائل ترهبت حين قتل كسرى أباها النعمان

وأنا لا أميل إلى القولين الأولين؛ لأنها ما كانت تحزن على زوجها عدي حزنا يفقدها الرغبة في الحياة، ويدعوها إلى الرهبانية، وأنت تعرف ما أحاط بهذا الزواج مما يجعله غير مرجو النجاح، ولأن قصة زرقاء اليمامة، وصلتها بهند، غير واضحة ولا مفهومة. وأما ترهبها لفقدها أباها، فقد يبدو مقبولا ومعقولا؛ لأنه عزها وفخرها؛ ولأنه يصعب على أبناء الملوك أن يعيشوا كالناس بعد جلال الملك وأبهة الملوك، فينزووا في ناحية من نواحي الأرض يعيشون فيها في تستر وخفاء. وكانت هند قريبة عهد بالنصرانية، والمثل السامق الأعلى لها هو الترهب، فلعل نشوة دينية بعد قتل أبيها ألجأتها إلى ديرها المعروف. فهي قد تكون ترهبت حين ألمت بالنعمان الخطوب فوق تأثرها بالمثل الأعلى للنصرانية

وكانت هند تعتز بأبيها، وتحفظ اسمه، وتغار عليه، حتى بعد أن أنزلها الدهر عن مكانتها. ويحدثنا الرواة أن المغيرة بن شعبة لما ولاه معاوية الكوفة مر بدير هند، فنزله ودخل عليها، بعد أن أستأذن عليها، فأذنت له وبسطت مسحاً فجلس عليه، ثم قالت له: ما جاء بك؟ قال: جئت خاطباً؛ قالت والصليب لو علمت أن في خصلة من جمال أو شباب رغبتك في لأجبتك، ولكنك أردت أن تقول في المواسم: ملكت مملكة النعمان بن المنذر، ونكحت ابنته، فبحق معبودك أهذا ما أردت؟ قال: إي والله؛ قالت: فلا سبيل إليه؛ فقام المغيرة وانصرف وقال فيها:

<<  <  ج:
ص:  >  >>