جميع الحوادث المسطورة في الكتاب كعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه مثلا، فهي بإسهابها ترسم صورة صادقة للجو الذي يحيط بعلي، والحوادث التي تقع من حوله، وتتناقل إليه فيستجيب لها، وتحول سلوكه، وتفسر أعماله، ولكنها تتحدث عن أمور لا صلة لها بسيدة جاء دورها التاريخي بعد ذلك بعشرات السنوات في كربلاء! فلم تكلف نفسها هذا العناء؟ وإذا كانت المؤلفة وهي أدبية ناقدة لا تجيز لكاتب يضع مؤلفا عن شوقي مثلا أن يكتب ثلاثة أرباع صحائفه عمن سبق أمير الشعراء من زمن محمد علي إلى البارودي. فيتحدث عن العطار والخشاب وشهاب واليازجي والليثي وأبى النصر والساعاتي ثم يخص شوقي بعد ذلك بفصل أو فصلين لا يشغلان غير اليسير الهين من الكتاب!! إذا كانت المؤلفة لا تجيز لمؤلف أن يفعل ذلك، فلم تصنع هذا الصنيع في كتاب تاريخي يكشف عن بطلة واحدة، ويوحي عنوانه شيء واحد لا ينتظر القارئ سواه، هذا ما لا أدركه بحال
وقد فطنت المؤلفة الفاضلة إلى ما يجره استطرادها المتواصل في الحديث من شطط وجموح، فاندفعت تقول في تبرير هذه الإسهاب (وقد تمر فترة طويلة تغيب زينب خلالها في غمرة الأحداث؛ بل قد نفقد أثرها أحياناً في ضجة الدوي الراعد الذي كان يصم الآذان، ويدير الرءوس، لكننا سنجدها أخيرا بعد أن تكون الأحداث العنيفة قد هيأت المسرح لظهور كربلاء!
(ومن هنا يبدو عذرنا إذ نطيل الحديث عن معارك سياسية قد يظن ظان أنها لا تلمس زينب من حيث صلتها بالقادة والأقطاب؛ على حين نرى في كل هذه المعارك مقدمات لها خطرها في توجيه حياة زينب وأثرها في إعدادها لدورها الرهيب!!) ونحن نرى الدكتورة بعد ذلك تختار حوادث خاصة تسهب في تسطيرها وتدوينها، وتترك حوادث أخرى لا تقل عنها أهمية وتأثيرا ونتيجة، دون أن نلحظ فائدة حقيقية لهذا الاختيار، فهي مثلا تطنب في وصف معركة الجمل فتتحدث في لجب عن عائشة وقد قدحت في عثمان أولا، ثم خرجت تطلب بثأره ثانيا، وتذكر النقاش الذي دار بين أم المؤمنين وفريق من المسلمين، بشأن موقفها من علي، وتعلل هذا الموقف ما يمكن أن يكون بين علي وعائشة قبل ذلك من خصام، والقارئ يلم من ذلك كله بحديث الجمل وأسبابه ونتائجه، ثم ينتظر بعد ذلك فلا يجد سطرا واحدا عن موقعة صفين أو النهروان، وهنا يسأل نفسه أكانت موقعة الجمل ذات