أثر في نفس زينب يعظم عن أثر صفين؟ وهل لا تستحق الموقعة الأخيرة أن يكتب عنها سطر واحد، بجوار ما كتب عن الأولى من صفحات!! أم أن الكاتبة الجامعية تختار ما تتحدث عنه كما يتهيأ لها دون أن ترتبط بخطة ومنهاج!!
وندع الحديث عن الاستطراد الحائر في سطور الكتاب وفصوله نتحدث عن ظاهرة أخرى تلوح في مؤلف السيدة، وهي تتجه بنا إلى صميم بنائه وتجعلنا نتساءل عن حقيقته أهو تاريخي علمي في أسلوب سلس مشرق، أم قصة أدبية اتخذت أبطالها وحوادثها من التاريخ؟ إن المؤلفة تجيب عن هذا السؤال في أول سطر من المقدمة فتقول (هذا الكتاب ليس تاريخا بحتا، وإن أخذ مادته كلها من مراجع تاريخية أصلية، كما أنه ليس قصة خالصة، وإن اصطنع الأسلوب القصصي - غالبا في العرض والأداء) ثم تقول المؤلفة في نهاية المقدمة (وهذا الكتاب لا يعدو أن يكون صورة لحياة تلك السيدة رسمها المؤرخون الثقاة قبلي، ثم جاء المنقبون، فأضافوا إليها ظلالا شبه أسطورية، لها روعتها وعميق إيحائها، وقوة دلالتها، وقد حرصت ما استطعت على أصالة الألوان التاريخية دون أن أهدر هذه الظلال أو أهون من شأنها، لأنها - مهما يكن رأي العلم والتاريخ فيها - عنصر في صورة السيدة، كما تمثلها السابقون وكما رأوها، ولا أرى من حقي أن أسخر بأي ظل منها إلا إذا كان من حق الدارس النفسي أن يسخر بالأوهام والأحلام)
والقارئ حين يطالع هذه السطور يلمس تناقضا تاما ينكره ويأباه، فالدكتورة الفاضلة تعلن من جهة أنها حرصت على أصالة الألوان التاريخية كما رسمها المؤرخون الثقاة، وتعلن من جهة ثانية أنها لم تستطع أن تغفل الظلال الأسطورية أو تهون من شأنها، لما لها من الروعة والإيحاء، وأن الذي يحرص على أراء المؤرخين الثقاة لا ينبغي أن يلتفت إلى الأساطير والخرافات!! فإن فعل ذلك فقد ودع التاريخ والبحث العلمي، وانتقل إلى الفن الأدبي، يحلق في أخيلته، ويهيم بأوديته، فلا ينتظر من القارئ بعد ذلك أن يعتمد على نتائجه وأحكامه، بل ينتظر منه أن يعجب ببراعة اللوحة، ودقة التحليل، وأناقة التصوير. وهذا ما ينبغي أن يتوجه إليه ذهنه دون سواه!! لذلك كان من العجب أن تحدثك المؤلفة عن الأسطورة البلقاء، ثم تعقبها بذكر مصدرها التاريخي القديم، لتوهم القارئ أنها تتقيد بنصوص المؤرخين الثقاة!! ومن الصعب أن تجد من يؤمن بمصادرها الأسطورية من