أن حديث بغداد لا ينفد، وحبها في القلوب لا يحد. وإنك أيها القلم لأعجز من أن تخط الزمان الماجد، والتاريخ الخالد، والخطوب والعبر، والقضاء والقدر، في هذه الأسطر. فحدث عن الرحلة إلى طوس؛ وحسبك أن تحمل (الرسالة) هذه الرسالة
لبثنا ببغداد من صبح الأربعاء إلى عشية السبت، في حفارة إخوان كرام، وسرور بدار السلام. ويوم السبت ركبنا نحن والوفود التي قدمت إلى بغداد في طريقها إلى طهران، قطار الليل نؤمّ خانقين. والمسافة بين خانقين وبغداد زهاء مائة ميل، ولكن قطار خانقين المتمهل يقطعها في عشر ساعات، فيمكن المسافر أن ينام ملء جفونه حتى يصبح. برحنا بغداد والساعة ست مساء، وودعنا على المحطة القائم بأعمال المفوضية المصرية حافظ بك عامر، ووزير إيران في بغداد. وسافر معنا الأديب الفاضل أحمد حامد الصراف مندوب العراق إلى مؤتمر الفردوسي. وكان المندوب الثاني الشاعر الكبير الزهاوي، قد سبقنا إلى خانقين في سيارة. وصحبنا في القطار إلى منتصف الطريق الأخ الهمام إبراهيم الواعظ المحامي، وكان ذاهبا إلى كركوك، فما زلنا في إكرامه واحتفائه حتى افترقنا؛ أهدي إلى وإلى الأستاذ العبادي ديوان السيد محمد سعيد الحبوبي النجفي، فكان خير زاد للمسافر. ولما وقف بنا القطار على محطة باب الشيخ ببغداد اشترى لنا قلة بغدادية روينا بها في سفرنا. وقلل بغداد نقية الطينة، سريعة التبريد، تمنيت أن أحمل بعضها إلى مصر فلم يتيسر لي، وهي أمنية أعجزت الأستاذ الزيات من قبل
بلغنا خانقين والساعة أربع من الصباح، فبقينا في القطار حتى أسفر النهار، فنزلنا وحملنا أمتعتنا إلى حجرة من حجرات المحطة، استبد بها الأستاذ الصراف فشاركناه فيها. ولبثنا ننتظر قدوم مندوبي الحكومة الإيرانية حتى جاء القنصل الإيراني، وآقاي روشن المهماندار، الذي كان طليعة ركبنا في رحلتنا كلها. وعلمنا حينئذ أن موعد السفر غد، أول أكتوبر فتفرقنا. ذهب جماعة إلى دار القنصل، وآخرون إلى المنازل أخرى. ودعنا صديقنا