الصراف إلى دار صديقه عبد القادر صالح، معاون جمرك خانقين، وكلمه بالتلفون، فأرسل سيارته، فذهبنا إلى الدار فإذا فتى نبيل من فتيان العراق، وكم في العراق من فتى نبيل! فلبثنا في ضيافته إلى صبيحة يوم الثاني، وسعدنا بصحبة موظفي خانقين الكرام، واحمدنا هذا التأخر الذي أتاح لنا هذه السعادة
وخانقين مدينة صغيرة على حدود العراق، وعلى طريق خراسان، يمر بها نهر حلوان (حلوان جاي) ويسمى نهر ألوند، وهو فرع من نهر ديالى أحد روافد دجلة. وعند المدينة قنطرة كبيرة من أثار الساسانيين. وقد وصفها ياقوت في المعجم. وكانت المدينة في العصور الإسلامية الأولى معروفة بالتمر والغلة، ولا تزال كثيرة التمر. وقد مدح أبن المعتز نبيذها. وقال عتبة بن الوعل التغلبي:
ويوم ببا جسري كيوم مقيلة إذا ... ما اشتهى الغازي الشراب وهجرا
ويوم بأعلى خانقين شربته ... وحلوان حلوان الجبال وتسترا
وفي خانقين حبس كسرى برويز النعمان بن المنذر حتى مات. ويوم الاثنين أجتمع المندوبين عند محطة خانقين، وجاء آخرون من بغداد منهم أستاذي سيردنسن روس، والشاعر الإنكليزي درنكووتر، وعبد الكريم أفندي الحسيني، والدكتور نظام الدين مندوبا حيدر أياد. وتقسمنا السيارات فركبت أنا والأستاذ العبادي والأديب الصراف معاً، وكانت صحبة الصراف فألا سعيداً في هذه السفرة، فقد نعمنا بحديثه وإنشاده من الشعر العربي والفارسي وتغنيه بالأغاني المصرية. كنا كما تمادى بنا السير وماطلنا المدى، قلنا هات يا صراف، فانطلق ينشد من محفوظه الذي لا ينفد، فيدوي صوته على الجبال الشاهقة، وفي السهول الفسيحة، فننشط له نشاط الإبل للحداء. وسنذكر بعد طرفا من حديث الصراف. سرنا إلى الحدود في طريق معبدة مقيرة، فوقفنا قليلاً؛ وجاء إلينا رسول إيراني فرحب بنا وأعطانا دليلاً مكتوباً بالفارسية والفرنسية، فيه طرف من أخبار البلاد التي نمر بها بين خانقين وطوس. وهناك تركت الرفيقين الكريمين، وركبت مع صديقي عبد الكريم الحسيني مندوب حيدر أياد، إذ كان في سيارة وحده فأردنا أن نؤنسه في السفر
بلغنا قصر شيرين بعد نصف ساعة، فتوقفنا لشرب الشاي على الطريق. وقصر شيرين مدينة صغيرة على طريق خراسان، وعلى نهر حلوان، سميت باسم القصر الذي بناه