من أين جاء هذان الطفلان؟ أين أبوهما؟ أين أمهما؟ كيف يعيشان؟ هل أبتسم لهما الحظ فوجدا (تنكة زبالة) لأحد الأكابر لينبشاها، فيستخرجا منها عشاءهما أم باتا على الطوى؟
لم يسأل أحد ولم يعلم أحد؟
ولا أنا. . . وهل أنا إلا واحد من (هؤلاء) الناس؟!
قال الراوي:
وأسرعت إلى أولادي، أحمل إليهم الحلويات الغالية، أعدها لهم بجنب السرير، حتى إذا أصبحوا وجدوها، وأغطيهم كي لا تصيبهم لفحة هواء في هذه الليلة العاصفة، حتى إذا أمنت عليهم وأرحت ضميري. . قعدت أكتب مقالة في محاربة الشيوعية، ومكافحة الإجرام، وتمجيد النظام الديمقراطي الذي يملأ الأرض حرية ومساواة وعدلاً وأمناً.
وخلا شارع بغداد إلا من الرياح العاتية، والكلاب الشاردة، وهذين الطفلين الذين ينامان على الأرض بلا وطاء ولا غطاء؛ ليس معهما إلا أشباح الظلام، وتهاويل الرعب، وآلام الجوع والبرد والحرمان!
٢ - عواقب اللذات:
كنت أطالع إضبارة في محكمة الجنيات فوجدت صفحات في الفسوق تثير الشيخ، وتصبي الحليم، وتشعل النار في أعصاب الشاب القوي، حتى ما أظن أن في الدنيا قصة من قصص الأدب المكشوف، تفعل في إثارة الشهوة فعلها فتركت الإضبارة، وفكرت. . .
وقلت. . .
- هل تريد يا علي طنطاوي أن تكون مكان هذا الرجل تعيش هذا العيش اللذ بين الغيد والأنس، والعذارى الفاتنات؟ قل، وخل عنك هذا (الكذب الاجتماعي) الذي تعارفه الناس.
فسكت علي الطنطاوي، وتكلمت نفسه، فقالت: نعم
- قلت: وهل تريد أن تكون مكانه في السجن؟
- قلت: لا قلت: ولِم؟
- قالت: لأن اللذات قد ذهبت، وبقي عذاب السجن. . .
- قلت: فلماذا لا تذكر ذلك كلما دعاك الشيطان إلى لذة محرمة فملت إليها، وتقول لنفسك إنها ستذهب كما ذهبت اللذائذ الماضيات، ويبقى العذاب؟ ولماذا لا تذكره كلما دعاك العقل