إلى خير فتكاسلت عنه لصعوبة البذل، ومشقة العمل، وتقول لنفسك إنها ستذهب هذه المشقة ويبقى الثواب؟
فكر فيما عملت من حسنات وخير؛ بذلت فيها من جهدك ومالك، وخالفن فيها هواك، ماذا بقي من الصعوبة التي وجدتها عند الحسنات؟ وماذا بقي من اللذة التي أصبتها عند المعاصي؟ لقد ذهبت آلام الطاعة وبقي ثوابها، وذهبت لذات المعصية وبقي عقابها، كالتلميذ يوم الامتحان إن كان قد جد وجد النجاح ونسي تعب المطالعة ونصب السهر، وإن كان قد لها ولعب فقد متعة اللهو وأنس اللعب؛ ولقي (السقوط).
فقس الآتي على الماضي، ولا تبع آجلاً خالداً بعاجل فان، ولا تغتر بحلاوة العسل إن كان فيه السم، ولا تخش مرارة الدواء إن كان فيه الشفاء. . .
وتصور أنك على فراش الموت، وقد باد الأمل وجاء الأجل. . ما الذي تحسه في تلك الساعة من حلاوة المعصية؟ ما الذي بقي لك من متع الجسد والقلب؟ هل بقي لك شيئاً منها؟ هيهات! لقد نسي الجسد لذات الجسد، وشغلت النفس عن مسرات النفس؛ وضاع المال فصار للورثة ما جمعت من مال، وتصرم الجاه فلا ينفع جاه، ولا شهرة ولا وظيفة ولا أدب ولا فن. . .
وتصور بعد ذلك القيامة وقد قامت، والصحف وقد نشرت، والحساب وقد أعلن؛ وكل ذرة من خير قد قيدت لك، وكل ذرة من شر قد سجلت عليك؛ أحصاه الله ونسيته، وعده وأغفلته، أين من نفسك يومئذ موقع هذه اللذاذات؟ وأين مكان هذه المتع؟ ما الذي استفدته منها؟ ما أفدت إلا الندم! وماذا استبقيت منها؟ ما استبقيت إلا الألم!
فأذكر هذا كل صباح وأنت غاد إلى عملك، وكل مساء وأنت مضطجع لمنامك. وكلما أغرتك بشر لذته، وكلما صدتك عن خير مشقته. . .
جرب هذه التجربة السهلة، وأنظر كيف تكون بعدها.
٣ - المعلم الأديب
فتحت اليوم درجاً لي فيه أوراق لم أفتحه من نحو عشرين سنة، فوجدت صفحات رائعة من قصة كنت شرعت فيها ونفسي مترعة عاطفة، وقلبي متفتح للإلهام، ثم قطعتني عنها شواغل التعليم (وقد كنت يومئذ معلماً) وصرفتها من ذهني، حتى أني لأجدها الآن غريبة