ووقفت السيارة فجأة إلى جنب الغلام الذي يحمل (الفرش) ودفعه أحد السادة حتى لا يدنسه فمال على السيارة، فمس طرف رغيف مما في الفرش وجه الولد مساً رفيقاً، وقامت القيامة ووقف القسم الظالم من هذا الشعب، أمام القسم المظلوم، يمثل الأول ولد السيارة بقسوته وكبريائه، وأخذه ما ليس له واستطالته على من دونه، ويمثل الثاني غلام الخباز، بضعفه وبؤسه وكدحه وذلته، صرخ الولد وأعول، وهاجت الأم، ونزل السائق بقوته وبطشه على هذا الغلام، فضربه حتى كاد يحطمه، ورمى خبزه ودعسه بقدميه، وتم ذلك في لحظات، فما وصلت حتى كان كل شيء قد انتهى، والسيارة قد مرت كالعاصفة، لم تخلف وراءها إلا الغلام يبكي صامتاً، لا يرفع صوته ولا يستنصر أحداً، لأنه يئس من أن يجد في هؤلاء المفترقين إنساناً يصغي إليه.
وأسدل الستار على المأساة، وعاد الموكب الحالم يتابع طريقه يستمرئ حلمه الذهبي المترع بالنشوة والشهوة والفتون. . .
وكأن شيئا لم يقع، لم نقتل العدل، ولم نظلم الطفل، ولم نملأ هذا القلب الصغير حقداً على الحياة، حتى إذا كبر استحال هذا الحقد إجراماً فاتكاً مدمراً.