للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المدرسين.

وسواء كان هذا المنطق علماً أو فناً أو مدخلاً أو أداة لسائر العلوم، فإنه أول مصدر لكل معرفة إنسانية مشروعة وأساس لكل تفكير، لأنه يتناول المعقولات الخالصة.

ويلي المنطق مباشرة (الرياضة) إذ تتناول المعقولات الكمية (كالنقطة الحسابية والنقطة الهندسية) وما بين هذه المعقولات من نسب (كالزيادة والنقصان والتساوي).

ويتلو الرياضة في بساطتها: الميكانيكا والفيزيقا والكيمياء، والبيولوجيا والسيكولوجية ثم علم الاجتماع.

ولم يكن من اليسير أن يطفر الفكر إلى المعاني. وذلك لأن (طبيعة الأشياء تأبى الطفرة)، فالحواس التي عرفتنا بما نحس، وحلل العقل ما أوتي منها، واستخلص من بين عناصرها البسيطة ما هو مشترك بينها وهو (الكلي). وبهذا الانتقال الذهني الخالص نصل من الأفراد إلى (الكلي المجرد) ومنه إلى (العام). وصدقت الحاجة إلى تثبيت المعاني المجردة والعامة واستحضارها وترتيبها، وإقامة صلات بينها دون اللجوء في كل مرة، إلى ما بدأنا به أول مرة، ولا يتم هذا إلا باستعمال الرموز التي تغني عن الجزئيات، إذ (الرمز إشارة إلى ما له صلة بغائب محجوب أو يستحيل إدراكه).

ولما كان العلم بالكلي - كما يقول أرسطو - فلا بد من أن تتسابق العلوم إلى هذه (الرمزية) النهائية، فكانت الرياضة منها في الطليعة.

وإذا كانت المعاني هي العملة الفكرية، وكانت اللغات إنما هي المعاني تحملها الألفاظ، فإن الرياضة هي أسمى لغة للتفاهم العقلي في أسمى درجاته، لذلك قال (كوندياك (كل علم ليس لغة مصنوعة بإتقان) أو كما يقول (فولتير) (إن العقل سينتهي إلى بعقل) أي ينتهي إلى قانون يعقل الوجود ويحكمه.

وعلوم الكون - على اختلاف مناحيها - تنزع إلى أن تكون كالرياضة، فعلم الفلك مدراه الجاذبية، لهذا لم يعتبر، (أوجست كونت) من الرياضة بل اعتبره من الفيزيقا البحتة، غير أن (أمبير) رأى في الفلك علماً رياضياً بسبب تقدمه العلمي، وبذا جعل الرياضيات علوماً للطبيعة المادية أي علوماً كونية وعرفها بأنها (العلوم التي لا تعتبر في الظواهر الطبيعية غير نسب الكمية).

<<  <  ج:
ص:  >  >>