للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل هذه المحاولات للتقرب من الرياضة لم تقض على ما بينها وما بين سائر العلوم من فوارق: فالرياضة لا تعني بما هو كائن، وإن كانت تضع مبدئياً شروط إمكانية الأشياء المادية، غير أنها تدع للفيزيقا العناية بإقامة الوقائع التي أعطيت لنا في هذا العالم.

والرياضة قبل كل شيء ذات موضوع متميز، ولها منهجها وروحها، وهذا ما نود أن نعرضه للقارئ في هذه العجالة بحيث تتأدى المقدمات إلى نتائجها من غير تعقيد.

والمعروف أن الرياضة فرعان هما: علم العدد، وعلم الهندسة

وعلم العدد هو الذي ينظر في معاني الكمية والعدد والنسبة دون أن يفترض فيها موضوعا خاصاً، ودون حاجة إلى نظريات الشكل والمقدار اللذين في الواقع؛ فهو كما يقول أبن خلدون (المعرفة بخواص الأعداد من حيث التأليف، إما على التوالي أو بالتضعيف) وهو كما يقول أيضا (أول فروع الرياضة (التعاليم) وأثبتها في البراهين الحسابية، عني به بعض العلماء فاستخلصوا زبدته في البراهين الحسابية كما فعل أبن البناء في كتابه (رفع الحجاب)).

وتنحصر فائدته في عدم تعينه في الأشياء المحسوسة التي يطابقها. فالعدد ٥ يطابق ٥ رجال و٥ خيول و٥ حواس و٥ فضائل.

ومن فروع علم العدد (صناعة الحساب). وهي صناعة عملية في حساب الأعداد بالضم والتفريق.

ولما كان لعلم العدد صلة بالكميات المجردة، فقد وجب إنشاء فرع له هو (الجبر) لأننا بدلاً من اعتبار القيمة الفردية للأعداد نضع حروفاً تدل على عدد ما بدون أي تفرقة.

وقد اصطلح العرب على أن يسموا هذا العلم (الجبر والمقابلة) وهو (صناعة يستخرج بها العدد المجهول من قبل المعلوم المفروض إذا كان بينهما صلة تقتضي ذلك) كما يقو أبن خلدون.

ودراسة الدوال هي الفرع الأعلى للرياضة البحتة لأنها تعني بالنسبة بين متغيرين دون الاشتغال بتقدير هذه النسبة؛ وهذا يؤدي إلى الرياضة العليا من حيث صلتها بالحساب والجبر وهما (الرياضة الأولى).

ولعلم العدد أيضا فرعان آخران هما: (المعاملات) وهو تصريف الحساب في معاملات

<<  <  ج:
ص:  >  >>