تلونت الكلمة بلون البيئة، فإن إنساناً قد يرى في الفتوة أنها كرم وشجاعة كطرفة أبن العبد، وقد يرى غيره أنها العقل والفصاحة والرزانة كزهير، وقد يرى ثالث أنها كتمان السر وعدم البوح به كمسكين الدارمي.
ويرى الدكتور أن الفتوة أثر الغنى، وأن الصعلكة أثر الفقر، ومن فتيان الجاهلية طرفة بن العبد وامرؤ القيس. ومن صعاليكها السليك بن السلكة، وعروة بن الورد، والشنفري، وتأبطشراً. وهؤلاء كانوا فقراء صعاليك. وطرفة وامرؤ القيس كانا غنيين من الفتيان.
واستعرض الدكتور مثل الصعاليك ومثل الفتيان استعراضاً تاريخياً تحليلياً من العصر الجاهلي، إلى عهد الخلافة الرشيدة، إلى العهد الأموي، إلى العهد العباسي، إلى أزمنة المماليك، إلى العصر الحاضر في مصر. وبين الآداب الرفيعة والتقاليد الرائعة للفتوة والصعلكة. وبين كذلك ما لحقها من ضمور وهزال وشوائب أضعفت من أثرهما، وقللت من شأنهما في بعض الأوقات.
وقد استشهد بكثير من الأشعار في العصر الجاهلي على ما يقول. أو قد استخلص كثيراً من معلوماته في هذا الموضوع من أشعار الجاهليين. فذكر شعراً لطرفة. وذكر شعراً لتأبط شراً. وذكر شعراً للشنفري. وذكر شعراً لعروة أبن الورد.
وعروة بن الورد هو المثال الرفيع للصعلكة الجديرة بالتقدير والاحترام. إذ كان اشتراكياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وكان يغير على الأغنياء البخلاء ليرد أموالهم على الفقراء المحاويج. فهو لم يكن يغير لغرض ذاتي؛ بل لغرض تهذيبي. وآخر اجتماعي. الغرض التهذيبي أن يؤدب هؤلاء الأغنياء الذين يضنون بأموالهم ورفدهم على المحتاجين والمساكين. والغرض الاجتماعي أن يمول كثيراً من الذين يعجزون عن الكسب لمرض أو شيخوخة أو عجز. أما هو نفسه فلم يكن يظفر من غنائمه ولا من نهبه بأكثر مما كان يظفر به شيخ قعيد أو عاجز ضرير.
(فهو فقير يتحسس أخبار الأغنياء، فمن وجده كريماً سخياً خلاه، ومن وجده شحيحاً بخيلاً غزاه، وفرق ما جمعه على زملائه بالعدالة لا يرضى بشيء لنفسه إلا برضاهم. فمثله مثل برنادشو في إحدى رواياته إذ هاجم قوم سيارة فخمة يركبها أغنياء مرابون. فقال الهاجمون، نحن سراق الأغنياء، وأنتم سراق الفقراء. وكما فعل تولستوي إذ كان غنياً