للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عشرون ألفاً، فأدخلها في بيت المال، ثم قال: يا خالد! والله إنك علي لكريم، وإنك ألي لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء.

وكذلك وقف عمر بن الخطاب موقفا مشابها من والي مصر عمرو بن العاص، فقد كتب إليه: (أما بعد، فقد بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد، وعهدي بك ولا مال لك، فأكتب إلي من أين أصل هذا المال؟ ولا تكتمه)

فأجاب عمرو: (. . وإني أعلم أمير المؤمنين أنني ببلد السعر فيه رخيص، وإني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله، وفي رزق أمير المؤمنين سعة، وواله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك، فأقصر أيها الرجل، فإن لنا أحساباً هي خير من العمل لك، إن رجعتنا إليها عشنا بها).

على أن عمر لم يجد في هذا مقنعاً، فأرسل إلى عمرو محمد بن سلمة ليشاطره ماله. وعندما قدم رسول عمر إلى عمرو قدم إليه أصنافاً كثيرة من الأطعمة، فرفض أن ينال منها شيئاً، فقال له عمرو: أتحرمون طعامنا؟ فقال: لو قدمت إلي طعام الضيف لأكلته، ولكنك قدمت إلي طعاماً هو تقدمة للشر. نح عني (أكلك) طعامك، وأحضر إلي مالك، وأكتب إلي كل شيء، هو لك، ولا تكتمه. فشاطره ماله أجمعه، حتى بقيت نعلاه، فأخذ إحداهما وترك له الأخرى. هذا وغيره كثير وفي هذا بلاغ.

وصنيع عمر هذا يعد من قبيل الاحتياط والتورع، ولم يكن عن خيانة من خالد أو عمرو، فإنهما أعز وأكرم التماس الغني والثراء مما لا يحل، يدل لهذا كتاب عمر إلى عمرو بن العاص (والله يا عمرو لقد ابتليت بولاية هذه الأمة، وآنست من نفسي ضعفاً، وانتشرت رعيتي، ورقي عظمي، فاسأل الله أن يقبضني إليه غير مفرط، والله إني لأخشى لو مات جمل ناقص عملك ضياعاً أن أسال عنه).

وورد في كتاب من عمرو لعمر (معاذ الله من تلك الطعم، ومن شر الشيم، والاجتراء على كل مأثم، فأقبض عملك، فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنيئة، والرغبة فيها).

أما موقف سيدنا خالد فيشهد لما أشرت إليه ما جاء على لسان أمير المؤمنين نفسه؛ على ما مر بك، والله ولي التوفيق.

رياض عباس

<<  <  ج:
ص:  >  >>