كان لتعيين عبد المنصف محمود باشا وكيلاً لوزارة الداخلية وقعه الجميل في نفوس أصدقائه ومحبيه. وإني وإن كنت ممن لم يتشرفوا بتلك الصداقة الشخصية، إلا أن للرجل في نفسي مكانة أدبية من حق الرسالة على أن أنوه بها، على سبيل التهنئة الخالصة لوجه الثقافة والأدب.
ولقد أشرت في تقريظي لكتاب (السنوسية دين ودولة) للدكتور فؤاد شكري إلى رجالات مصر الذين أسهموا في الجهاد الليبي، وذكرت من بينهم عبد المنصف محمود الذي كان ضابطاً في ذلك الوقت.
وعسى ألا يغيب عن الأذهان أن عبد المنصف محمود - الذي كان من قبل مديراً لمصلحة خفر السواحل ومصائد الأسماك - من أدباء الإسكندرية المعدودين، ومكانة في ثقافة عروس البحر لا يزال كالدر اللامع في جيد الأدب الرفيع.
ولم تكن مشاغل الوظيفة لتصرفه عن التأليف والبحث، فوضع سلسلة من الكتب القيمة عن بحيرات مصر، ضمنها دراسات تاريخية واجتماعية وأدبية، وجمع فيها بين التقرير والتقدير، ولما كانت قد وضعت سنة ١٩٣٦ كتاب (إدكو) ودرست فيه كل ما يتعلق ببلدة إدكو، فإن كل دراسة تتصل بها مما يدفعني إلى التلهف عليها، لهذا كنت أتابع عبد المنصف محمود باشا في كتابه (على ضفاف بحيرة إدكو) كما أني اشتركت في المعركة الفكرية بين الرأي القائل بتجفيف تلك البحيرة أو الإبقاء عليها، وأدليت برأيي على صفحات الأهرام.
أما عبد المنصف محمود، وهو الشاعر الحريص على الجمال، فقد كان يرى عدم التجفيف لتظل البحيرة كغيرها من البحيرات (ترصع جيد مصر)، ومما جعلني أخالفه في هذا الرأي ما انتهت إليه الحالة الاقتصادية في إدكو من تدهور أدى إلى انهيار اجتماعي عام، ولولا ذلك لحرصت أكثر منه على بقاء هذه البحيرة الجميلة وهي أول ملهم لي في حياتي الأدبية، حتى لقد كانت قصيدتي (البحيرة الناعسة) أول ما نشر لي في الأهرام وأنا طالب بالسنة الثالثة الثانوية سنة ١٩٣٣.