فقال القس: تشجع يا صديقي تشجع، ولا تقنط من رحمة الله!
وأصغت لوسي لهذا الحوار، وهي في موضعها منكسة الرأس، بالغة الأسى، ممتعقة اللون، لما أصاب أخاها (بني)؛ لكن لم ترسل عيناها دمعاً ولم تسمح لهمها وكدرها أن يشيعا على محياها، وكانت على حداثة سنها تقوم بنصيب وافر في إدارة شؤون البيت؛ ولذلك هبت واقفة حين سمعت طرقاً خفيفاً على باب (المطبخ)؛ وأسرعت وفتحت الباب ووجدت رجلاً يقدم إليها خطاباً.
وحملت الخطاب إلى أبيها وهي تقول:
- إنه منه. . . من أخي. . .
وكأن الخطاب وصية ميت أو رسالة من القبر! فقد تطلع فيه مستر أوين دون أن يجسر على فض غلافه. وارتجفت أصابعه وهو يدفعه إلى القس كما لو كان طفلاً لا حول له ولا قوة.
وفض القس الغلاف وقرأ ما يلي:
أبي العزيز:
- عندما تصلك هذه الرسالة أكون في عالم الأبدية! فالموت ينتظرني عند باب السجن. ما أشد ما أخافني هذا الخاطر وروعني! على أني فكرت كثيراً وقلبت الأمر على كل الوجوه حتى لم يعد لي الإعدام مخيفاً في نظري. . . لقد احترموا آخر رغباتي في الحياة وسوف لا يضعون الأغلال في يدي ولا العصابة على عيني، وعلى ذلك سألقى الموت كما يلقاه الرجل الشجاع الباسل، وفي هذا تعزية كبرى.
غير أني كنت ارجوا أن تقضي الأقدار بغير ما قضت، وأن تكون ميتتي أشرف من هذه الميتة. كنت أود لو أموت شهيداً في ساحة الوغى وحومة النضال مدافعاً عن بلادي وفي سبيل المجد، أما أن أعدم رميا بالرصاص كالكلب وبتهمة إهمال الواجب العسكري وهو شيء يقارب الخيانة، فذلك ما يؤلمني أشد الألم. ولا أدري كيف لم تقتلني هذه الفكرة قبل أن تقتلني بنادقهم؟
أبي: سوف لا يكون في حادثتي ما يخدش اسمك أو يصم شرف أسرتك. سأعترف ها هنا بكل شيء، وعندما أفارق الحياة آمل أن تشرح للداتي وأصدقائي ما وقع. أما أنا فرجل