وكان هذا مثار حسد الناس، وثار حقد بعض ذوي الرأي، وكان خليقاً بهم أن ينقموا وأن يحسدوا هذا الرجل المتجرد الفقير، على أنه استطاع أن يجمع الناس إليه بوسائل غاية في البساطة واليسر، وهي لباقته وحسن حديثه. . فيرفعهم فوق المطامع المادية، التي يجتمع عليها الناس عادة
وكان طبيعياً أن يتنكر له بعض الناس، وأن يذيعوا عنه بعض المرجفات، فليس أشد وقعاً في نفوسهم من أن يسلبهم أحد سلطاناً كان لهم. وليس أبعد أثرا في نفوسهم أن يجئ رجل من صميم الشعب ليجمع الناس حوله باسم القرآن، ويقول لهم أن الله قد سوى بين الناس بالحق، وجعل فضيلتهم عنده على أساس العمل والتقوى
خيل إليَ بعد أن انطوت حياة الرجل على هذه الصورة العجيبة، وثار حولها ذلك الغبار الكثيف، أن وقتاً طويلاً يجب أن يمر قبل أن يقول التاريخ الحق كلمته، ويروي المؤرخ النزيه قصته
غير أن الظروف السياسية في مصر سرعان ما تغيرت، وأمكن أن يكشف التحقيق في بعض القضايا بطلان كثير مما وصمت به دعوة الإخوان من إدعاءات، وأن يبرأ جانب هذا الرجل بالذات فيبدو نقيا طاهراً
وكنت قد التقيت بالرجل في القاهرة سنة ١٩٤٦، ثم عدت إلى القاهرة مرة أخرى سنة ١٩٤٩ بعد أن قضى، وحاولت أن أتصل ببعض الدوائر التي تعرفه فسمعت الكثير مما صدق نظرتي الأولى إليه
فقد علمت أنه كان في أيامه الأخيرة يحس بالموت، وكان الكثير من محبيه ينصحه بالهجرة أو الفرار، أو اللياذ بتقية أو خفية، فكان يبتسم للذين يقصون هذه القصة وينشد لهم شعراً قديماً:
أي يومي من الموت أفر ... يوم لا قدر أم يوم قدر
يوم لا قدر لا أرهبه ... ومن المقدور لا ينجوا الحذر
وكان لايني لحظة عن محاولة استخلاص أنصاره من الأسر، وكان يبلغ به الأمر مبلغه، فسيتيقظ في الليل، ويضع كلتا يديه على أذنيه، ويقول: إنني أسمع صياح الأطفال الذين