يعرف لغات الأزهريين والجامعيين والأطباء والمهندسين والصوفية وأهل السنة، ويعرف لهجات الأقاليم في الدلتا وفي الصحراء وفي مصر الوسطى والعليا، وتقاليدها، بل أنه يعرف لهجات الجزارين والفتوات، وأهالي بعض أحياء القاهرة الذين تتمثل لهم من القصص ما يتفق مع ذوقهم وفنهم
بل كان يعرف لغة اللصوص وقاطعي الطرق والقتلة، وقد ألقى إليهم مرة حديثاً
وهو يستمد موضوع حديثه - أثناء سياحته في الأقاليم وفي كل بلد - من مشاكلها ووقائعها وخلافاتها، ويربطه في لباقة مع دعوته ومعالمها الكبرى، فيجئ كلامه عجبا. . يأخذ بالألباب
كان يقول للفلاحين في الريف (عندنا زرعتان. . إحداهما سريعة النماء كالقثاء، والأخرى طويلة كالقطن)
لم يعتمد يوماً على الخطابة، ولا تهويشها ولا إثارة العواطف على طريقة الصياح والهياج. . ولكنه يعتمد على الحقائق، وهو يستثير العاطفة بإقناع العقل، ويلهب الروح بالمعنى لا باللفظ، وبالهدوء لا بالثورة، وبالحجة لا بالتهويش
ويعد (الحديث) عند بعض الناس آيته الكبرى، غير أنني علمت من بعض المتصلين به. . أنها آخر مواهبه، فقد كان أبلغ مواهبه القدرة على الإقناع، وكسب (الفرد) بعد (الفرد) فيربطه به برابط لا نفصم، فيراه صاحبه صديقاً خاصاً، وتقوم بينه وبين كل فرد يعرفه صداقة خاصة خالصة، يكون معها في بعض الأحيان مناجاة، وتنتقل بالتعرف على شؤون الوظيفة والعمل والأسرة والأطفال
وهذه أقوى مظاهر عظمته، فهو قد كسب هؤلاء الأتباع فرداً فرداً، وأصاب منابع أرواحهم هدفاً هدفاً، وإن لم يكسبها جملة ولا على صفة جماعية، وقد استطاع بحصافته وقوته وجبروته أن ينقلها من عقائدها وأفكارها، سواء أكانت سياسية أم دينية، إلى مذهبه وفكرته. . فتنسى ذلك الماضي، بل وتستغفر الله عنه، وتراه كأنما كان إثماً أو خطأ
ومن أبرز أعمال هذا الرجل، أنه جعل حب الوطن جزءا من العاطفة الروحية فأعلى قدر الوطن وأعز قيمة الحرية، وجعل ما بين الغني والفقير حقاً وليس إحساناً، وبين الرئيس