وقال سليط بن سعد عن أبي الغيلان وبنيه حين جحدوه فضله وجميل فعله، وقد أخذ منه الكبر:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزي سنمار
وقال آخر وقد جوزي بسوء، يدعو على من أساء إليه بعاقبة كعاقبة سنمار:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار، وما كان ذا ذنب
سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعلى عليه بالقراميد والكسب
ورب الخورنق أعجبه قصره حين أشرف من أعلاه يوما وسره ماله وكثرة ما يملك، والبحر يجري عريضاً من تحته، والفلاح، والملك، والنعمة؛ حين رأى كل ذلك وتبصر فيه ارعوى قلبه، وفكر في فنائه وفناء الإنسان. ويقال أنه نزل من الجوسق وانطلق إلى الصحراء ولم يعثر له على خبر
فعدي بن زيد كان يعرف الشيء الكثير. وكان يميل إلى أن يفلسف ما يعرفه ويستنبط منه القواعد العامة والنتائج المحتومة. فرأى الكبراء والعظماء والآثار تحور إلى وادي الفناء، ورأى أن الملك لا ينفعه ملكه، والحصن لا يحمي سيده، والقصر لا تدوم مسراته ونعماؤه، ورأى كل حي إلى الفناء يصير، ورأى أن الخاتمة هي الهلاك والانطفاء، ورأي أن المنون يترصد للناس، ورأى أن الزمان لا يبلغ الإنسان ما يشتهيه ويأمله، فانطوت نفسه على آماله ومطامعه بائسة محزونة، وعرض هذا كله في شعره
وقد أثرت حوادث الزمان في عدي بن زيد تأثيراً كبيراً. وكان هو ميالاً إلى استخلاص الحقائق الدائمة من هذه الحوادث العارضة. وهو في هذه الأبيات التالية يقدم لنا عصارة حياته وخبرته المستمرة بالحياة وأبنائها:
فنفسك فاحفظها عن الغي والردى ... متى تغوها يغو الذي بك يقتدي
وإن كانت النماء عندك لامرئ ... فمثلاً بها فاجز المطالب وازدد
إذا ما امرؤ لم يرج منك هوادة ... فلا ترجها منه، ولا دفع مشهد
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا أنت فاكهت الرجال فلا تلع ... وقل مثل ما قالوا ولا تتزيد
إذا أنت طالبت الرجال نوالهم ... فعق ولا تأت بجهد فتنكد