صدورهم ثروة غير الحب، ومن أجل هذا يحبهم العراقيين، فإن سمعتم أن مصرياً شقي في العراق فاعلموا أنه مصري مزيف)
كما قال في أهل العراق - وهو الخبير العارف بهم - (إن العراقيين يحبوننا اصدق الحب، فليعرفوا جيداً إننا نحبهم ونتمنى لهم كل الخير، وننظر إلى بلادهم نظر الأخوة الصادقة التي لا تضمر غير العطف والصدق).
وطلب إليه أن يلقى في بغداد محاضرات أدبية عامة، فاختار لموضوعها شاعراً عراقياً إكراماً ومجاملة لأهله، ولما رآه من شبه بين شخصية الشريف الرضى وشخصيته في تدفق الإحساس وكآبة العاطفة وغدر الزمان، فأدى بذلك خدمتين جليلتين، الأولى للأدب العربي، إذ أحيا ذكرى هذا الشاهر العظيم الذي لم ينل شعره ما يستحقه من عناية ودراسة. والثانية للعراق لما جره الحديث من ذكر العراق ووصفه وتاريخه. وكان - رحمه الله - بما عرف عنه من اندفاع الشعور وحدة العاطفة ورقة الطبع قد درس الشريف الرضى ودعا الناس إلى دراسته ودلهم على مواطن العبقرية والعظمة في شعره. ولكنه كان أول من صدق أقواله فيه، وزادته دراسته للشريف الرضى إعجاباً به، حتى قال عند تقديمه المحاضرات مجموعة في كتاب، على طريقته المعروفة:(إن الشريف الرضى في كتابي، اشعر من المتنبي في أي كتاب، ولن يكون المتنبي أشعر من الشريف إلا يوم المؤلف عنه كتاباً مثل هذا الكتاب!)
وفي بغداد نظم قصيدة ألقاها في (نادى القلم العراقي) يقول إنها أعظم ما نظم في حياته عنوانها (من جحيم الظلم في القاهرة إلى سير الوجد في بغداد) ومطلعها
وفدت على بغداد والقلب موجع ... فهل فرجت كربى وهل أبرأت دائي؟
وقال - رحمه الله - في (وحي بغداد):
(وأخشى إلا اظفر بكلمة رثاء يوم يشمني الناس إلى قبري، فذاكرة بنى آدم ضعيفة جداً، وهم لا يذكرون إلا من يؤذيهم، أما الذي يخدمهم ويشقى في سبيلهم فلا يذكره أحد منهم بالخير إلا وفى كلامة نبرة تشير إلى أنه يتصدق بكلمة المعروف)
كلا يا صديق العراق ومحبه!
فلن ينساك العراقيون، وهم ذكروك لم يحسنوا إليك، وإنما احسنوا إلى أنفسهم، ولم يتصدقوا