الأرقام حتى ليخيل لك أن الموسيقى ضرب من العلوم الرياضة. وإنها كذلك في دراسة هذا الكتاب الساحر.
الجمال الموسيقي:
ربما كان القسم الرابع من الكتاب أجذب الأقسام لنفس القارئ المحب للفن لأنه تبسط واسع في الجمال الموسيقى فأستأذن حضرة المؤلف بكلمة مختصرة أبسط بها ذلك التبسط
قلنا آنفاً إن مزية الموسيقى العربية (والتركية أيضاً) هي في أجزاء هذه الدرجات من أنصاف وأرباع لأن لكل لحن طريقة خاصة في استعمال هذه الأجزاء مثال ذلك أن العازف الذي يعزف لحن النهاوند يستعمل (راجع الجدول) نم الحجاز بدل جهاركاه، ويستعمل كردى بدل سيكاه، ثم دوكاه الأصلية إلى أن يستقر على الرست (وقد أكون مخطئاً في هذا الترتيب) وهكذا لكل لحن استعارات خاصة من الأجزاء. فإذا عزف العازف هكذا ثم عزف على الدرجات الأصلية جهاركاه سيكاه دوكاه رست شعرت حالا بالفرق في اللحن لأنه في هذه الحالة يكون اللحن لأنه في هذه الحالة يكون اللحن رستاً لا نهاوند. وهكذا بتنوع الألحان العربية يتنوع العزف على الأرباع والأنصاف بدل الدرجات الأصلية، وبواسطة هذه الاستعارات يتولد عند العرب عشرات الألحان وهي التي تحكي العواطف الروحية المختلفة. وليس في الموسيقى الإفرنجية إلا القليل من هذه التنوعات لاستعمال أنصاف الدرجات (أو ما يسمونه هكذا وما هو بأنصاف) كما رأيت، ولذلك تعتبر الموسيقى العربية أرقى وأجمل بكثرة التنوعات التي فيها. ولا بدع أن تكون كذلك لأن أقدميتها صقلتها وجعلت التفنن فيها بدائع فنية ككل تطور وارتقاء. والموسيقى الإفرنجية بنت الأمس، ويظن أصحابها أن الاقتصاد فيها على أشياء الأنصاف وتقييدها بالعلامات جعلها فنية راقية، وعندي أن هذا التقييد جعلها سخيفة في أذن الشرقي. الموسيقى روح لا مادة، فيجب أن توضع تحت أمر الأذن (العصب السمعي) كما يفعل العازفون العرب، فتكون أوقع في النفس وأكثر اندماجاً بالروح وأخلب للب أما اللذين يستحبون هذه دون تلك أو تلك دون هذه فأوتار أعصابهم السمعية قد تدوزنت على سلالم ألحانهم فصارت تهتز مع اهتزازات موسيقاهم وتنفر من اهتزازات الموسيقى الأجنبية.
فهؤلاء مخطئون في استهجان موسيقى غيرهم والعكس بالعكس. وإذا كان الشرقي أو