الغربي لا يود أن يسمع إلا موسيقاه فلا تلمه إذا قال لك إن موسيقاه أطرب من تلك أو أن الموسيقى الأجنبية أطرب له من موسيقاه لأنه تعود سماع الموسيقى التي تطربه منذ صغره. فهناك أشخاص لا يتذوقون الفن ولا يفهمون أصوله ولا يطربون لأي موسيقى، فيقولون لك إن الموسيقى الإفرنجية ذات أصول وقواعد وفنون ولذلك يحبونها، والحقيقة أنهم لا يحبون شيئاً. ويقولون أيضاً أن الموسيقى العربية أو الغناء العربي عار من الأصول والقواعد والأغاني لأن الأغاني كلها فوضى. هؤلاء جهلاء أغبياء جداً وإنما هم يقولون هذا القول لكي يتمسحوا بالإفرنج ويقال عنهم انهم متمدنون. ولما كان السلم الإفرنجي لا يطابق السلم العربي حتى في درجاته الأصلية فيتعذر جداً على العزف أن يعزف لحناً حربياً على آلة إفرنجية مقيدة الدرجات كالبيانو والأرغن وأمثالهما. فإذا عزف عازف عليها لحنا عربيا ظهر ناشزا حتى انك لا تستطيع أن تسمعه إذا كنت قد ألفته على الآلة العربية كالعود والكمنجة والقانون. لا تستطيع أن تعزف أذان الصلاة على البيانو أو نحوه وتشمئز إذا سمعته؛ ولكن إذا سمعت الأذان من كمنجة الأستاذ سامي الشوا شعرت أنه ناطق بكلامه.
وكانت فتاة لبنانية تدرس موسيقى إيطاليا (حسب السلم الإفرنجي طبعاً) فغنت مرة سوريين أغنية بسيطة لبنانية على السلم الأفرنكى فلم يطق أحد سماعها لأنها كانت تغنى العربي على السلم الأفرنكى. وهنك أناس يستنكرون تكرار الكلام والتلحين بالغناء العربي. فهؤلاء محقون في استنكارهم وربما كان هذا التكرار هو العيب الوحيد في الغناء العربي المصري. والذنب فيه هو ذنب المغنين أنفسهم لا ذنب الملحنين. لأن الملحن قد يكرر عبارة ولكنه لا يكرر لحنها وإنما يلحن لتكرارها لحناً آخر. ومع ذلك لا نعذره كل العذر لأن الشعر عندنا سواء كان معرباً أو زجلاً غنى بالكلام فلا داعي لقضاء نصف ساعة أو أكثر في غناء أغنية كلامها معدود الألفاظ إلا إذا كان الكلام مكرر متنوع الألحان. سمعت مرة في الإذاعة المصرية مغنياً ينشد قصيدة (نالت على يدها ما لم تنله يدي) فقضى حصته في الإذاعة في إنشاد الأربعة الأبيات الأولى وكان يكرر كل بيت منها بكلامه ولحنه مراراً حتى زهقت وأعتقد أن جميع السامعين زهقوا أيضاً. أََيضاً. والقصيدة تشتمل على أكثر من عشرة أبيات فكان في وسعه أن ينشدها كلها وأن يتفنن في ألحانها أو أن يعتمد على ملحن