وحلت العقدة، ولم يقطع أمير الشعراء مشيه إلى الشجرة الخامسة، وشكر (الجميل) للسكرتير المعار. .
وكان المرحوم الأستاذ صادق عنبر - في فترة من حياته - موظفاَ في وزارة المعارف بمرتب لا يلائم مكانته الأدبية، وتولى هذه الوزارة رجل ممن يقدرون الأدباء. فرأى أديب كبير من الأصدقاء صادق عنبر - وهو أيضاً صديق للوزير - أن يلفت نظره إلى الأديب المغبون في رزقه بالوزارة، فحادث الوزير في الأمر، فوعد بزيادة مرتبه خمسة جنيهات في الشهر. واستقبل الوزير الأديبين الكبيرين في داره، وكان الموقف يتطلب من الأستاذ صادق عنبر أن يقبل على الوزير بحديث يكسب به مودته وإعجابه، ولكنه لمح بيد صديقة علبة كبريت أشعل لفافته ووضعها أمامه على النضد وكان الأستاذ صادق (مولعاً) بالكبريت! فوجه همه إلى العلبة. . . وجعل يخالس صاحبه ليأخذ من عيدانها ويملأ علبته! فسارع الصديق يدس العلبتين في جيبه، ليطمئن ويوجه انتباهه إلى الموضوع الذي أتيا من اجله. . . ولولا ذلك لضحى أديبنا الفقيد بخمسة جنيهات في الشهر لقاء عيدان من الكبريت لا تساوي خمسة مليمات. . . .
وكان فقيد الأدب الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني، إذا أراد أن يسري عن نفسه مما يهمه، يقوم إلى المرآة فينظر فيها إلى صورته ويخرج لسانه. . . وكان يعلل ذلك بأنه يريد أن يضحك نفسه ليذهب عنه ما ألم به. . . وهو تعليل مقبول ولكنه يدل على ما وراءه مما يتصل بموضوعنا.
ولعل تلك المشاعر، والتصرفات التي تمليها، من بقايا الطفولة في نفوس الأدباء، ولعل لكل واحد منهم طريقة خاصة به في (طفولته)، للازمة، وقد يأتيها في العلن متماجنا، وقد يصنعها في خلوته. . . .
ويرى الأستاذ توفيق الحكيم أن أعمال الأدب من امتداد طفولته وأنه يحاول أن يتخلص من مكافحة المجتمع لهذه الذخيرة (الطفولية) التي هي من ألزم الأمور للأديب وذلك كما جاء في الفصل الأول من كتابه الجديد (فن الأدب) وقد قرأت هذا الفصل بعد كتابة ما تقدم كما يقول الزملاء الصحفيون. . . .