في الأرض البذرة الجديدة، بذرة المصحف، البذرة التي لا تموت بعد أن ذوت شجرتها القديمة، ولم يمت الرجل إلا بعد أن ارتفعت الشجرة في الفضاء واستقرت.
ولن يستطيع مصلح من بعد، أن ينكر أن الرجل رفع من طريقه الكثير من العقبات والأشواك والصخور.
وكل حركة إصلاحية أو استقلالية تظهر في الشرق من بعد، سواء في مصر أو في المغرب أو في إندونيسيا، يجب أن يلحظ فيها ذلك الخيط الدقيق الذي يربطها بالرجل القرآني، الذي حمل المصحف ووقف به في طريق رجال الفكر الحديث الذين كانوا يسخرون من ثلاث كلمات:(شرق، وإسلام، وقرآن).
كان الرجل يريد أن يقول آن للشرق أن يمحص أفكار الغرب قبل أن يعتنقها، بعد أن غدت الحضارة في نظر أصحابها لا توفي بما يطلب منها، كان يقول علينا أن نوزن هذه القيم، وأن نثق بأنفسنا، وأن نعتقد أن ما عندنا لا يقل عما عند الغرب أو على الأقل لا يستحق الإهمال.
وأن على الشرق أن ينشئ للدنيا حضارة جديدة، تكون أصلح من حضارة الغرب، قوامها امتزاج الروح بالمادة واتصال السماء بالأرض.
وما كنت تعرض لأمر من أمور الحضارة الغربية، إلا رده إلى مصادره الأولى في الحضارة الإسلامية، أو في القرآن والسنة والتاريخ.
كان الرجل القرآني يؤمن بأن الإسلام قوة نفسية قائمة في ضمير الشرق، وأنها تستطيع أن تمده بالحيوية التي تمكن له في الأرض وتتيح له الزحف إلى قواعده واستخلاص حقوقه وحرياته.
كان يؤمن بأن الشرق وحدة قائمة كاملة، لو تخلص من مناورات الساسة ومن خلاف الطامعين، لقاوم وصارع.