للضرورات الثقافية والعسكرية على الحدود. ومع أن ظهور العثمانية أفقد الأخية كثيرا من سلطتهم ونفوذهم وأدى إلى تخليهم عن فعاليتهم السياسية والعسكرية إلا أنهم حافظوا على التعاليم الروحية والأخلاقية إلى الأخير.
ولا بد هنا من تسجيل ملاحظات المعلم جودت لقيمتها ولأنها تلقي ضوءاً على رأينا إذ يقول:(فأما الفتوة فهي عمدة إسلامية ومدنية عامة لجميع المسالك الصناعية والعسكرية والتصوفية والأدبية والتعليمية ليست مختصة بمسلك أو طريقة) وهو هنا يتحدث عن المفهوم الأخير الذي أشرت إليه.
ويذكر في محل آخر أن الفتوة (تفيد معنى السماحة الصناعية) ويبين أن: احتياج الصناع إلى الاتحاد محافظة لحقوقهم وأموالهم ضد الجبابرة والأقوياء من بواعث تأسيس هذه الهيئات. وأخيرا ينفي أية صلة للفتوة بالباطنية والإسماعيلية ويأتي بشواهد تنفيها.
ويستطرد إلى (أن الفتيان المذكورين في صحائف التاريخ والأشعار وفي الاستعمال الجاري ليسوا كلهم من هذا الصنف بل بعضهم. فبعض الرجال المتصفين بالفتوة العسكرية والشجاعة والرجولية محرومون من سمة الجود والكرم) وهم العيارون والشطار بالعربية) وهو بذلك يؤيد افتراضنا الأول. وهكذا نتوصل إلى شكل النقابة المستقرة بشعائرها المنظمة. فلكل نقابة دستور فيه عاداتها وشعائرها وقد وصلت بعض هذه الدساتير من القرن الرابع عشر الميلادي وما يليه. وقبل الدخول في التفاصيل هذه نبين أن هذه الشعائر فيها طابع الاستمرار والمحافظة. فالملابس التي ذكرنا مع إحلال السروال محل المئزر أحيانا، والماء بالملح محل النبيذ، والتعاون المطلق، وفتح الباب لغير المسلمين، ومكافحة التعدي والظلم بقيت، كما أننا نرى في بعض الحالات عيدا عاما للحرف تظهر فيه روائع بضائعها كما كان يحصل في بغداد في أواخر أيام العباسيين، حيث كانت الأصناف تتقدم في موكب حافل، كل حرفة تحتفي بنموذج لصناعتها في موكب يستمر طول اليوم.
وإن دققنا في دساتير النقابات نجدها تتكون عادة من ثلاثة أقسام - الأول يتصل بأصل الحرفة ومغامرات شيخها المؤسس وتعطى سلسلة تنشئة - مثلا - الله علم جبريل - جبريل علم محمد - محمد علم علي - علي علم سلمان الفارسي - سلمان علم الأبيار وهم حماة أهل الحرف - الأبيار علموا الفروع وهم الحماة الثانويون للشعب المختلفة في الحرفة