لا بد زائلة إن في قريب وإن في بعيد. وأنه ستخلفها حكومة أخرى تعاقب أولياء هذه الحكومة على ما شيعوا وما صانعوا. ولقد تكون هذه الحكومة عادلة نزيهة، فهي إن تجاوزت عن هوى الموظف إلى الحكومة السابقة، فأنها لا تتجاوز عما قارف في سبيل مصانعتها من إيذاء الناس والكيد لهم والخروج على أحكام القوانين
أما أن نطلب إلى الموظفين جميعا أن يصبروا على المكروه أشد المكروه في سبيل الحق وإيثار طاعة القانون، وأن يعصوا أمر رؤسائهم في طاعة الواجب، فيستهدفوا بهذا لطردهم، وحبس أرزاقهم عنهم، وإجاعة من يعولون من الأهل والولد، أما أن تقتضي هذا جميع الموظفين فضرب من العبث، وأقول إنه ضرب من العبث لأنه قد شهد بكذبه الواقع المحسوس، فأكثر الموظفين الكثير جداً، مع الآسف العظيم، قد نزلوا عند ما تطلب منهم الحكومات المختلفة، وفي بعض هذا الذي يطلب منهم ما لا يرتضيه العدل، ولا يستريح إليه القانون، وأقلهم القليل جداً الذين صبروا على الأذى وصابروا، وآثروا على متاع الدنيا إراحة الذمة وإرضاء الضمير
إذن فالموظف، واعني من تتصل الوسائل السياسية الحزبية بعمله، مضطر في سبيل عصمة عيشه إلى مصانعه الحكومة القائمة، ولو أدت هذه المصانعة إلى مخالفة حكم الذمة والقانون. ثم إنه في الوقت نفسه ليحسب للمستقبل كل حساب، فتراه لا يني عن العمل له أيضا. أي أنه لكي يعيش ويسلم من المكروه يجب عليه أن يجمع بين الضدين، وأن يسعى في وقت واحد في طريقين متخالفتين، وإنه لن يبلغ هذا المدى إلا إذا بذل في سبيله ما شاءت ضعة النفس، وفسولة الطبع، وإهدار الكرامة، وتميع الأخلاق، وإهراق ماء الوجوه، وفساد الذمة، أن تبلغ!
هذا الموقف لقد يقتضي هذا الموظف المسكين أن يكون له وجهان، ولسانان، وذمتان، وهويان؛ يلقى هؤلاء بواحد من أولئك، ويلقى أولئك بواحد من هؤلاء. فهو يظاهر الحكومة القائمة في إعلانه وجهره، وهو يمد أسباب الهوى للشيعة المقبلة في خفائه وسره، ولا يزال هذا شأنه ما تعاقبت الحكومات الحزبية، حتى كادت تفرى الأخلاق فريا، وتبرى الكرامات بريا، وحتى لقد نجم في بلادنا هذا الفن المحقور المرذول: فن الحرص، بكل ما اتسع له الذرع، واتسع له الخلق والكرامة، على المناصب الحكومية، فشاع به فينا أبلغ ما عرف من