(أي كارثة كانت تصيب الإنسانية، لو أن الناس كلهم قد اعتزلوا في الصوامع والأديرة، فانقطعت الحياة بانقطاع النسل ووقف التقدم البشري كله بانصراف الرغبة عن الحياة الدنيا، إطاعة لأوامر السماء)
ثم استمع إليه، وهو يصور لك حالة المسيحيين داخل حدود الكنيسة، وحالتهم وهم بمنأى عنها.
(إذا كانت المسيحية لأسباب سياسية وتاريخية، قد انتشرت في رقعة كبيرة من الأرض، فإنها مع ذلك لم تطبق تطبيقا عمليا، وإنما بقيت في حدود الكنيسة، لا تبسط من ظلها على الأحياء إلا وهم خاشعون في صلاتهم، يسمعون التراتيل الساحرة، والصلوات المؤثرة، فإذا انطلقوا بعد ذلك إلى أعمالهم انطلقوا إليها بشرا لا مسيحيين، لا يدير أحدهم خده الأيسر لمن لطمه على خده الأيمن، ولا يقلع أحدهم عينه، ويلقيها عنه لأنها تعثره، ولا يرضى بأن يهلك عضوا واحدا من أعضائه، تكفيرا عن إثم من الآثام)
ثم اسمع إليه وهو يسخر من الشيوعيين الذين لا يرون للأخلاق قيمة ذاتية - إنما هي أشياء ابتدعها الرأسماليون - ولا يرون في الجريمة الجنسانية جريمة، لأنهم مضطرون، إلى إطلاق القطيع على سجيته. وإذن فأين الجريمة؟
(الجريمة الكبرى في الدولة الشيوعية، الجريمة التي تنشق لها السماء، وتنهد الجبال هدا، هي انتقاد النظام الشيوعي أو التعرض للإله الأكبر (بابا ستالين) أو أحد من الآلهة السابقين وخاصة الإله - لنين - تقدست أرواحهم ولهم الأسماء الحسنى - عند ذلك ينقضون جميعا على هذا المجرم الأثيم - فيسرعون به إلى المشنقة إن أرادوا به الرحمة أو ينفونه في ثلوج سيبريا إذا أريد له العذاب، وعندئذ تخرج الصحف الروسية مفاخرة مباهية، بأن الدولة قد قامت بحركة تطهير، لحماية النظام).
وفي الكتاب من هذه اللذعات كثير!
وبعد - فهذا الكتاب رحلة شائقة إلى ينابيع الحقيقة، وسفرة ميمونة إلى مناهل المعرفة. صاحبه شاعر بارع علاوة على أنه كاتب محقق، وبأسلوب الشاعر وتحقيق الكاتب أخرج هذا الكتاب.