للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قتلت الإنسانية أباها الأول ليستمتع الأولاد بأمهم في شهوة جنس دنس مسعور، ولكنهم ما كادوا يصنعون ذلك ويرون أباهم جثة هامدة، حتى اعتراهم الندم على فعلتهم الآثمة)

وهنا يأخذ الرجل من لسانه كما يقول:

(من أين يأتي الشعور بالندم لهذه الحيوانات الهائجة، التي تتصرف بدافع الحيوان؟ من الذي أوحى إليهم أن عملهم هذا خطأ لا يجوز؟ إننا هنا أمام شعور إنساني يفرق بين الإنسان والحيوان.

فهذا الندم على الجريمة، يؤكد وجود الحاسة التي تفرق بين ما ينبغي، وما لا ينبغي أن يعمل، وبين ما هو خير، وما هو شر، حاسة تقدر قيما ذاتية للأعمال، بصرف النظر عن الدافع الغريزي الذي يدفع إليها)

هذه واحدة

(ثم نظر الأبناء فيما بينهم، فوجدوا أن أحداً منهم لن يفور بأمه، إلا إذا قتل الآخرين، وإذن فستنشأ معركة عنيفة، لا تؤدي إلى تحقيق المصلحة المنشودة، فاتفقوا بينهم على أن يتركوا أمهم لا يمسها أحد منهم، وينصرفوا راشدين متآخين بدلا من أن يقتتلوا فينقلبوا خاسرين)

(وهذه هي الثانية

(شعور إنساني آخر. شعور التآخي على مصلحة عامة، بدل الأنانية القاتلة والصراع المرذول)

وإنما ساق هذا القول من أقوال فرويد، ليبين أن الإنسانية في أوضاعها الأولى، يوم كانت على فطرتها: لم تهذبها تعاليم الرسل، ولا آراء المصلحين، ولا عقول المفكرين. كان فيها استعداد فطري، لأن تندم على الإثم، وأن تعمل على تحقيق النفع المشترك، وأن تنفر من التنازع والخصام.

وقبل أن أنتهي من هذه الكلمة، أحب أن ألفت النظر إلى أسلوب المؤلف اللاذع الساخر، حينما يريد أن يسخر برأي من الآراء أو يفند قولا. ولكنها السخرية التي تجري فيها الحكمة، ويظهر فيها الاتزان. ومع ذلك فهو يرغمك على أن تضحك، وتغرق في الضحك، مع أنك مع كتاب جاد رصين.

فانظر إليه وتخيل معه حالة البشرية، لو أنها نفذت كلها تعاليم المسيحية، واعتزلت في

<<  <  ج:
ص:  >  >>