للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك الأشواق الطائرة المرفرفة التي تنبعث من القلب، وقد تمر في طريقها على الجسد فيمنحها بعض لهيبه المحرق وقد يختلط بها بعض العكار ولكنها تظل محتفظة بكثير من الصفاء

وهناك إشراقة الروح الحالمة، وقد صفيت من العكار كله، وصارت صفاء مطلقا، لا يعرف الجسد، وإشعاعه لا تعرف القيود، تعشق الجمال خالصا حتى من الإطار الذي يصب فيه.

(وهناك ألوان أخرى لا تدركها الألفاظ، ولا يقدر عليها التعبير)

(وبين هذه الألوان المختلفة مئات من الأحاسيس، تشترك في الأصل ولكنها تختلف فيما بينها أشد الاختلاف.

فأي كسب للإنسانية في أن تقول مع القائلين (كله في النهاية جنس).

أرأيت كيف يتدرج بك من نيران الرغبة الملتهبة إلى أنوار الحب الطاهر الطائر البريء، وينقلك من لفح الجحيم، إلى نفح النعيم في خفة ورشاقة، وبراعة ولباقة، ودقة وأناقة.

وحينما يتحدث عن القيم العليا، ويسائل منكرا، أو يستفهم مستنكرا لما يقوله العلماء التجريبيون، يشعرك معه بالسخرية الحارة مما يقولون:

(هل القيم العليا كلها خرافة، والمشاعر النبيلة كلها أوهام؟!

(هل كانت عبثا كل دعوة الأنبياء والمصلحين، وكل محاولة لتهذيب الطبائع البشرية؟! وهؤلاء العظماء من كل لون وفي كل باب الذين ضحوا بمصالحهم لصالح الإنسانية، الذين استعصوا على دعاء الشيطان، واستمعوا لهاتف الضمير، الذين أقاموا أنفسهم مثلا رفيعة للعدل والنزاهة والرحمة والتعاطف، والاعتداد بالكرامة، والإيمان بالأفكار العليا والجهاد في سبيلها. هل كانوا كلهم خرافة؟!

أبو بكر، وعمر، وعلي، وأبو عبيدة، وأبو ذر، وعمر بن عبد العزيز. . . وأخناتون، وغاندي، وبوذا وغيرهم وغيرهم. . كلهم أوهام؟)

ثم انظر إليه بعد ذلك وهو يمزق تلك الصورة القذرة التي رسمها فرويد للإنسانية، ليلوث بها كل جميل في مشاعر البشر، ويهوى بالإنسانية إلى درك سحيق من الانحطاط والتردي، وكيف يرد عليه من نفس كلامه ويمسك بتلابيبه، ويضيق عليه الخناق حتى لا يستطيع جوابا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>