للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وإن الدنيا كلها لتنفتح لقلبين متحابين متآلفين، ولا تنفتح لقلب واحد محروم من الحب والعطف، مقطوع من الألفة العذبة، ولو كان أكبر قلب لأعظم إنسان، بل هو لن يكون قلبا كبيرا، وهو محروم من غذائه الطبيعي، الذي لا تنقضي الحاجة إليه.

(وتلك وقائع قد يتفنن الشعر في تصويرها، في عالم المثل والأحلام، ولكنها بغير شعر ولا فن، وقائع علمية تشهد بصحتها الحياة كلها منذ فجرها إلى اليوم)

الله. ماذا يمكن أن يقول قائل أروع من هذا. وهل في الشعر أو النثر ما يعادل هذه الروعة، التي تأسر الألباب، وتأخذ بمجامع القلوب؟!

ثم استمع إليه وهو يتحدث عن شعور الحرمان، لتحس معه أنت أيضاً بشعور الرجل المحروم من الطفل، أو المرأة المحرومة منه، وكيف تقابل طبيعة كل منهما هذا الحرمان.

(وقد يجد الرجل أحيانا عملا، أو فكرة يغرق فيها نفسه ليسكت هذا الهاتف الملح، والحنين الملهوف للطفل، ولكن المرأة ما أقسى حياتها بغير طفل؛ إن الطفل جزء من المرأة حقا ومجازا، جزء من جسدها تحمله، وتغذيه من دمائها، ثم من لبنها وهو، خلاصة دمها، وجزء كذلك من كيانها النفسي، بحيث تشعر أنها معطلة، أو ناقصة، أو عاجزة، إذا لم تأت بنسل)

وحينما يتحدث عن الإحساس الجنسي، يبين لك ألوانه ودرجاته، ألوانه بريشة الفنان المبدع، ودرجاته بمقاييس العاطفة الدقيقة، فيشعرك بحرارة الجسد حينما تتخلله الرغبات العارمة الحارة، وانطلاقات الروح حينما تتخلص من قيود المادة، وتنطلق في عالم الصفاء واللطف.

(هناك الشهوة العارمة التي تتمثل في الجسد الهائج، والجوارح الظامئة، والعيون التي تطل منها الرغبة الهائجة المجنونة.

وهناك الشهوة الهادئة المتدبرة، التي تعد العدة في ترتيب وأناة، حتى تظفر بما تريد على مهل ودون استعجال.

وهناك الأشواق الحارة الملتهبة، التي تنبع من الجسد، ولكنها تمر في طريقها على القلب فيصفيها من بعض ما بها من (العكارة) أو يعطيها قسطا من العاطفة تمتزج بصيحة الجسد الملهوف.

<<  <  ج:
ص:  >  >>