فحولت نظري إلى اللوحة، فلاحظت أن الأبخرة المتصاعدة من الأحماض قد تركت على سطحها أشكالا وخطوطاً غريبة، لو نظرها شخص بانتباه، لبدت له من تعاريج الخطوط رسم وجه لإنسان عبوس! فقلت لصاحبي:
- حقا أنه يبدو كوجه إنسان
- أتعلم وجه من هو؟. .
قلت ساخراً: - إنه. . وليد الاتفاق والمصادفة!
فقال مقاطعا - هذا هو وجه العلم! قد صورته مبتكرات العلم، فإذا هو وجه عنيد متجهم، لا تنبئ أساريره بأي معنى من معاني الرحمة!
وهنا دخل الأستاذ، فأنقطع كلامنا، لكني بقيت حائرا أستعيد رأي صاحبي ولا أدري أأصدقه أم أكذبه (وجه العلم العنيد المتجهم)؟ فأمضي بنظري إلى اللوحة، تاركا الأستاذ يشرح ويعلل، لأرى وجها عنيدا متجهما حقا!
لا ريب أن التبسيط يحطم اللذة والروعة، فلو بسطنا أسباب ظهور الوجه على سطح اللوحة فإننا لن نشعر بعد ذلك، بمثل ما يشعر هذا الهندي نحو ذلك الوجه الغريب!
. . وفي طريق عودتنا إلى غرفتينا قلت لصاحبي: -
- إني قادر على فهمك بعد الآن
قال - هيهات فأنت قد ولدت هنا في عالم العلوم، لا في عالم الطبيعة. . إنك لم تتمدد على العشب الأخضر، ولم تتفهم أسرار الحقول، فلا يمكنك أن تبثها أحزانك أو تشرح لها آلامك كما أفعل أنا! هذه لوحاتكم، ما رأيتم فيها غير المعادلات والمحاسبات. . والأحرف الكثيرة الجامدة! حين ثمة لوحات لنا عند بحيرة هرنين ترينا الطبيعة وكيف تحنو، والأيدي وكيف تتساند! حتى أنها ترينا الآلهة وهي ترتفع وتسمو عن. . .
وصمت فجأة! وكأنه استدرك ورأى أنه يقول ما لا ينبغي، فودعني ومضى عن طريقي. . لقد قدرت ألمه ولم أحنق عليه، وما كان المساء حتى طرق بابي وقال
- لقد كنت قاسيا معك
فكان جوابي أن قدمت إليه كوب الشاي.
وحين رفع الكوب إلى فمه، أخذ يبعث إلى بأنظاره من فوق حافة الكوب، فبدت لي عيناه