ثوب تلك الآلهة، المعبودة، وتتركونها عارية، ثم تجهزون عليها وتجردونها حتى من الخجل.
- الخجل، ما معنى الخجل يا سيدي؟
- ألم تسمع قول أستاذنا في الكيمياء؟ لقد قال إن ما ندعوها (بالحياة) مؤلفة من كذا أحماضا وكذا قلويات. . إلى آخر هذه الأشياء التي نسيتها.
فوجدت صاحبي يمضي إلى مذاهب متشعبة، وأن لا فائدة من معاندته ولا من تشجيعه على ما هو فيه، فقلت له:
- إذا نلت الدكتوراه فستغدو حرا، ولك ألا تنتبه إلى المحاضر ولا إلى المعادلات، ولك ألا تهتم إلا بعالمك الذي تحن إليه.
كل من قال الدكتوراه كان قد أجهده الاستذكار. . إلا الهندي سنو! فهو لم يراجع ولم يذاكر، فنال أجازة الدكتوراه من غير تعب أو إرهاق. وبدا لي أنه لم يعلق على الدكتوراه أملا من الآمال! إذ أن كثيرا ما رأيته وهو يسرح بأنظاره عبر الفضاء باحثا عن أحلام أخرى. غامضة، ما كنت أفهمها، ولعله هو نفسه أيضاً ما كان يفهمها، وبدا لي كأن وجهه قد تحجر وتجهم وأنه صار شبيهاً بوجه العلم الموسوم، على اللوحة السوداء.
احتفلنا بعد الامتحان، حيث خطب فينا العميد في قاعة الكيمياء، فلاحظت صديقي الهندي جالساً أمامي، وهو منصرف إلى تأمل ذبابة تطير عند النافذة! ولما قال العميد (علينا أن ندعو جيلنا بجيل العلم) ترك سنو ذبابته فتوجه إلى المحاضر فاستمر هذا يقول (ولكننا لسنا في المرحلة الأخيرة من مراحل العلم، فثمة معضلات أخرى كثيرة يجب أن نحاربها بالعلم). فلاحظت سنو يزداد انتباهاً. قال المحاضر (فنحن لن نرتاح حتى يسود العلم الأرض كلها، حتى نحطم العقائد البالية، حتى. .) وقاطعه بصوت عنيف (وماذا أبقيت للشياطين)؟ ووقف الصارخ فإذا هو سنو! فجعل يصرخ صراخاً كالعويل. . . لا ريب أن أهالي قريته يتسلحون به ضد الشياطين! ثم وثب على محبرة عامرة بالقرب منه، فألقاها على المحاضر. .! فتجنبها هذا. . ونزل من المنصة، فارتطمت المحبرة باللوحة السوداء؛ فتكسر زجاجها وسال مدادها على تعاريج وجه العلم، فتكالب على سنو من حوله، لكنه قاوم حتى نجح في أن يقذف بمحبرة أخرى في وجه. . العالم! فعلا الصخب والصراخ، حتى