لذلك لم يعد أحد يشكو. أنه ما فائدة الشكوى؟ ما جدوى الألم؟
سأم. سأم. سأم تموت منه الكلمات في الشفاه.
وحكاية التطهير، لقد ألقى إليها الشعب سمعه في أول مرة. ثم سحب اللحاف على رأسه ونام!
إن كل أحد يعرف أن الأمور فيما يختص بالشعب تسير كما كانت دائما تسير. . . مصالح الجماهير في دواوين الدولة لا يشعر بها أصحاب الدواوين. . . ما من حاجة تقضى لأنها يجب أن تقضى؛ الموظفون في مكاتبهم لا للعمل، ولكن للاتفاق على العمل! حتى المدرسون، ورثة الأنبياء، مربو الجيل، كل جهدهم اليوم للدروس الخصوصية، ومجانية التعليم أمست سخرية، بل كارثة على رؤوس الآباء. لقد كانوا يؤدون المصروفات المحدودة فيتعلم أبناؤهم. أما اليوم فلا يتعلم إلا من يؤدي ضريبة الدروس الخصوصية. هنالك عصابات من (المربين)، عصابات تفرض ضرائب معينة على الآباء، وإلا فليستمتعوا هم وأبناؤهم بتعليم المجان!
ولكن أحدا في الشعب لا يتألم ولا يصرخ، كما أنه لا يحفل بحكاية التطهير. أنه يعرف ما هنالك. فلا داعي إلى الكلام!
سأم. سأم. سأم تموت منه الكلمات في الشفاه.
ومصر بلد مجنون والحمد لله! بلد يحاول أن يستنقذ من رمال الصحراء ومن ركام الأملاح أشبارا أو أمتارا من الأرض كل عام. وتنفق وزارة الأشغال، ومصلحة الأملاك، ووزارة الزراعة ما تنفق من جهد ومن ومال في استنقاذ هذه الأشبار والأمتار من فم الصحراء، وردها إلى الخصوبة والعمار، ولكن هذا البلد نفسه يطمر مئات الأفدنة كل عام بالرمال والأحجار، مئات الأفدنة من أخصب بقاع هذا الوادي، يطمرها تحت الرمال والأحجار كي يحولها إلى مساكن! وهاأنذا صباح مساء أبصر مئات من الرجال يكدون اليوم بطوله ليفرشوا مساحات من الأراضي الخصبة بين المعادي والبساتين. على خط حلوان. يفرشونها بالرمال، ويطمرون ما عليها من زرع أخضر حي. يدفنونه بلا شفقة ولا رحمة، لتتحول هذه الأرض الخصبة إلى مساكن لشركة المعادي!
ومن قبلها حدث مثل هذا في مدينة الأوقاف، وفي الدقي وفي طريق الهرم، لقد أكلت