الربيع، لا تمت إليه بصلة من الصلات.
وأنا لا أستريح إلى مثل هذه الأحكام المطلقة، فلا شك أن كل أدب يشتمل على الصادق والمزور والرائع والتافه. وأعلم أنه لا جدوى من المناقشة في هذه القضية، فلو استدل أحد الطرفين بأمثلة تتوافر فيها الروح الشعرية الصادقة، الطرف الثاني إنها من القليل، وإن أتى الثاني بما لا يصور الحياة الجياشة. . . فلن يعجز الأول عن أن ينسبه أيضاً إلى القلة. . . ومن لا يقتنع فليحص. . .
وألقى الأستاذ علي عزت الأنصاري كلمة عنوانها (الربيع في الأدب العربي) أشار إلى مثل ما قال به عزيز باشا. وقد أحسن بعرضه طائفة من الشعر العربي الذي قيل في الربيع مع شيء من التحليل لا بأس به.
وكانت كلمة الأستاذ محمد مصطفى حمام ظريفة كدأبه، وكان موضوعها (الربيع في الأدب الشعبي) وقد استرعى التفاتي قوله: أشهر أنواع الأدب الشعبي الزجل والشعر السهل الذي لا يعسر فهمه على العامة. فقد جعل الشعر السهل من الأدب الشعبي، ولست أدري هل فعل ذلك توطئة لقصيدته في الربيع التي أولها:
لي وللناس في الربيع معاني ... ولنا في الربيع أحلى الأماني
فربيع الحياة عصر صبانا ... وشباب الأرواح والأبدان
وربيع القلوب حب وقربى ... وتواصي برحمة وحنان
إلى أن تدفعه روح المرح والدعابة التي جبل عليها فيقول
وربيع الجيوب إحراز مال ... وامتلاء بالأصفر الرنان
وربيع الموظفين علاوات ... ورزق يأتي بغير أوان
وقد نال الإعجاب واشتد التصفيق له إذ قال:
وربيع المصري يوم خلاص ... وجلاء عن مصر والسودان
ولم ألتفت إلى ذلك لأخالفه في اعتبار الشعر السهل من الأدب الشعبي بل لأوافقه. . فالأدب ينسب إلى الشعب لأنه يعبر عنه ولأنه يفهمه، فإن كان جاهلا باللغة العربية لا يفهم ما يصاغ بها، فالأدب الشعبي هو العامي فقط، وإن تقدم في فهمها - كالواقع الآن - فكل ما يستسيغه من الأدب شعبي ولو كان بالفصحى.